قصة قصيرة - فاطمة
تاريخ النشر 25 Sep 2023

فاطمة

Alhawadeth Archive


لفتت نظري وهي جالسة على المصطبة الحجرية مائلة نصف ميلة، تطرف بعينها بين الفينة والفينة، مديرة نصف وجهها نحو شاب متأنق على الجانب الآخر، كان يوميء إليها ويمسّد شعره في تحية مموهة، ووجهه العريض يطفح سعادة وبشراً ويفيض حبّاً كلّما تصدّقت عليه بنصف إيماءة.
هذه هي فاطمة التي كادت أن تحدث مجزرة في القرية بعد أن اكتشف أبوها في درج كتبها رسالة من ذلك الشاب، وقاده حمقه أن يفضح الأمر غضباً وحنقاً على ذلك الشاب الذي ينتمي لعشيرة أخرى، ولم يلم ابنته بشيء فهي طفلة بريئة نقل إليها طفل في الحي تلك الرسالة ولم تفتحها حتى، بل دستها في درجها بغير اكتراث ودون أن تسأل حتى عن مصدرها!
ابن عمها دسّ مسدّسه تحت حزامه، وخالتها وضعت طوبة ثقيلة على حافة الشرفة لتهيلها على رأسه إذا مرّ تحت شرفتهم أو تحرّم عليه الطريق.
وتوافد أفراد العائلة كلهم، وهرع العقلاء إلى أبي حسام وهو لا ينتمي لأي من العشيرتين، بل هو وافد برأسه على القرية وكان يعمل في نقش الحجر وتزيين واجهات البيوت حتى استقر فيها.
هرع أبو حسام وهو يثبت غطرته على رأسه حتى لا تطير في الريح وهو يركض لاهثاً واقتحم المجلس وهو يشير براحتيه للجميع أن يهدأوا، وعندما استقر على كرسيه التفت إليه الجميع وتوجه أحدهم بالسؤال:
شو رايك يا أبا حسام؟
صمت أبو حسام قليلاً قبل أن يجود بما عنده:
رأيي يا جماعة أن العاقل يغلب الجاهل والعقل يغلب الجهل." هنيهة صمت ليحدث التأثير المطلوب ثم يواصل:
هذا ولد جاهل، أخطأ خطأ كبيراً صحيح، ولكن دائماً خطأ الجاهل كبير، لماذا؟ لأنه لا يحسب حساباً للعواقب!
ويجأر أحدهم مقاطعاً:
كيف جاهل يا أبو حسام وهو عمره عشرون عاماً؟
ويجيب أبو حسام بتمهل وهو يُصوّب نظراته النافذة نحو السائل:
ما هو لو كان كل من عمره عشرين كبير، خلينا نقعد في البيوت ونخلي لهم صدور المجالس!
طيب يا أبو حسام، وشّوه عقابه؟
أيوى أجينا للمهم، عقابه بتخلوه علي، بيني وبينه بس، ما بدي شوشرة، عشان البنت، ما أحد يطير كلمة هون ولا هون، وبعدين الأمور تطلع من إيدينا ويفور الدم.
سلّم الجميع بكلامه ليس فقط احتراماً لرأيه ولكن لأنه ألمح إلى سمعة البنت وتواطؤوا صامتين على أن هذا هو الطريق الأسلم.
أما أبو حسام فقد أمر الشاب أن يغيب عن الأنظار عند أخواله في بلدهم، وحذّره من أن الوضع خطر وأن حياته مهددة والجميع يتوعّد، وذكره أن ما فعله كبيرة لا تغتفر، وأضاف: احمد الله إنه أهلك مش هون وانك تقيم وحدك في بيت العائلة وإلا لكبرت المسألة وخرجت الأمور عن السيطرة.
وبالفعل امتثل الشاب فقد أغلق أبو حسام أمامه السبل ولم يترك له الخيار بخطابه المؤثر وكلماته المفحمة.
أما فاطمة فقد ظلت تجلس جلستها المعتادة على المصطبة الحجرية، ولكن جلسة جامدة دون أن تلتفت إلى الجانب الآخر الذي لا ينطق إلا بالغياب.


كل التعليقات ( 0 )

أخبار ذات صلة

المزيد من الأخبار

جميع الحقوق محفوظة © 2023 الحوادث
طورت بواسطة : Zahid Raju