menu
person
الحوادث لعرب أمريكا - نيويورك الكبرى
Saturday, July 12, 2025 - 6:36:43 AM
Alhawadeth Newspaper for Arab Americans


assistant_navigation
View English Version

"طريقة حياة"

نزار حسين راشد
بقلم‎ نزار حسين راشد
تم النشر :  Wednesday, May 8, 2024  -   2:26:58 PM


 
بعد أن أنهى البكالوريوس في الأدب الإنجليزي تقدم مع عدد كبير من المتقدمين لوظيفة مترجم في مستشفى عسكري أمريكي في دولة عربية، قبلوه بسهولة بسبب طوله البالغ وشعره الأشقر وعينيه الخضروين، وتنازلوا عن درجة الإتقان للغة الإنجليزية لحساب المظهر فهو رجل هيبة كما يصف هو نفسه.
بعد استلامه عمله بقليل تقدم بطلب للقائد الأمريكي بتحويله من مُرتّب مدني لعسكري وحيث إن ذلك سيساعده على الاندماج في البيئة العسكرية كونه يمتلك خلفية عسكرية وله خدمة في الجيش مرفقاً شهادة بذلك.
في الحقيقة كان قد طرد من الجيش لإهماله في الواجبات وعدم الجدية في عمله، ولكنه وبواسطة كبيرة تمكن من محو ذلك من السجلات، وحصل على شهادة خدمة نظيفة.
لم يمض وقت قصير حتى تقدم بطلب لتحويله من ضابط صف إلى ضابط، وحصل على الترقية، وقد روى لي بنفسه الحكاية والسر وراء تلك الموافقة كما حكى لي هو أنه كان يشارك القائد الأمريكي الضحك والسخرية من المجندين المسلمين من أبناء البلد، وهم يؤدون الصلاة، وحين قلت له أن هذا شيء شائن، وأنه شرع قد يصل به إلى حد الكفر، ردّ علي ضاحكاً أن فهمي خاطئ، وأن العبرة بالنوايا، وأن هناك فرقاً كبيراً بين أن تعبد الحمار أو أن تقدم له التبن والحشيش.
في إحدى الليالي كما روى لي، جاء مجند من المواطنين ليدخل زوجته للمستشفى بحالة ولادة طارئة، ولكن العريف الأمريكي المناوب رفض إدخالها بحجة عدم وجود أسرّة، فأخذته النخوة وأمر العريف بإدخاله قائلاً أنا أعلى منك رتبة، وهذا أمر ونشب بينهما جدل حاد، فخرج عن طوره، وأهان العريف بعبارات نابية. تقدم العرب بشكوى ضده لقائد المعسكر، فأخذ القائد جانبه، ووبّخ العريف ونقله إلى موقع آخر، قال لي مفسراً ما حصل:أرأيت بركات تقديم الحشيش للحمار وضحك طويلاً.
استقال من الخدمة بعد أن جمع مبلغاً محترماً، ولكنه أبقى على الصلة مع القائد الأمريكي، وحرص على أن يبعث له ببطاقات التهنئة كل عيد ميلاد: قال لي لا تدري ربما أحتاجه يوماً، وربما أحتاج أن يعيدني إلى الخدمة إذا لم ينجح مشروعي!
- وما هو مشروعك يا صديقي؟
- أريد أن أكمل دراستي، وأحصل على الدكتوراه، وبالمناسبة هل تعرف بلداً يمكن أن أدفع فيها للأساتذة والعمداء، ويساعدوني مقابل المال؟
سمّيت له بلداً وبالفعل لم يكذّب خبراً، وذهب للدراسة وعاد بعد سنوات حاملاً شهادة الدكتوراه، وتقدم للحصول على وظيفة مدرس في إحدى الجامعات، فطلبوا منه إلقاء محاضرة تجريبية ليتمكنوا من تقويم أدائه، وهرع إلي يطلب النصيحة، وقدمتها له مجاناً بحكم الصداقة، ونصحته بالحرص على أن يقدم المعلومة بطريقة بسيطة ومختصرة، وأن يستعين بالوسائل التعليمية بالعرض على البروجيكتر، وأعددنا الشفافيات معاً وتم قبوله.
أمضى بالكاد سنتين، ثم انتابه السأم، وقرر الاستقالة، ولما سألته عما سيفعل بعد ذلك قال لي أنه سيذهب إلى لندن ليجرب الحياة هناك، وحصل على التأشيرة بعد أن أرفق شهادة خدمته مع الجيش الأمريكي.
لم أسمع من أخباره أي شيء بعد ذلك، حتى جاءني صديق مشترك وقال لي: صديقك يعزف على الغيتار في شوارع لندن، ويجمع النقود في قبعته والجميع يظنون أنه أمريكي.
فاجأني بعودة مفاجئة، وهذه المرة زفّ لي الخبر الطيب بأنه سيتزوج، وتزوج فعلاً ومضت به السنوات، وهو ينفق من مدخراته وعوائد دكان اشتراها ووظف فيها أخاه الأصغر الذي فشل في امتحان الثانوية العامة، وظل عاطلاً عن العمل لسنوات.
مرض فجأة، وتعرض للإصابة بجلطة قلبية، واتصلت بي زوجته، فهرعت ونقلناه للمستشفى، وأعلن الطبيب وفاته، ولكنه قال سأجرب الصدمات الكهربائية، مرة… اثنين… ثلاثة وفي المرة الرابعة خفق قلبه، وعاد إلى الحياة دون أية مضاعفات، وأطلقت زوجته صيحة ابتهاج: عشان الولد قالت، بعده صغير، ما شاف إشي من أبيه، وبالفعل عاش بعد ذلك لسنوات، حتى مرض مجددا، وشعر بالإرهاق الشديد، واستنجدت بي زوجته كوني صديقه المقرب، فاستدعينا سيارة إسعاف ورافقناه للمستشفى… ظل طيلة الطريق يحكي لنا ذكرياته بعد أن أعطاه المسعف حقنة فاليوم، وعندما وقفنا على باب الطوارئ لفظ أنفاسه الأخيرة، وأعلن الطبيب وفاته، ولم تفلح الصدمات الكهربائية هذه المرة في إعادته إلى الحياة، وبكت زوجته بحرقة ومرارة، وذرفت دموعاً ساخنة سخية، وقالت إنه كان كريماً جدّاً معها رحمه الله.
نزار حسين راشد

Share To :

Latest


إدعم الصحافة الحرة
الحوادث ملتزمة تمامًا برسالتها وهي جريدة وموقع مستقل مكرس لرفعة وتمكين المجتمع العربي في أمريكا. كجريدة مستقلة، يعتمد صحافيونا على الدعم المستمر من القراء مثلكم لمواصلة عملنا الحيوي. دعمك يصل الى كتابنا بشكل مباشر مما يعزز جودة المحتوى الخاص بنا، ويسمح لنا بمواصلة تقديم رؤى قيمة لقرائنا وسرديات ذات معنى لجمهورنا.

Most Read



Videos


Related News


إدعم الصحافة الحرة
الحوادث ملتزمة تمامًا برسالتها وهي جريدة وموقع مستقل مكرس لرفعة وتمكين المجتمع العربي في أمريكا. كجريدة مستقلة، يعتمد صحافيونا على الدعم المستمر من القراء مثلكم لمواصلة عملنا الحيوي. دعمك يصل الى كتابنا بشكل مباشر مما يعزز جودة المحتوى الخاص بنا، ويسمح لنا بمواصلة تقديم رؤى قيمة لقرائنا وسرديات ذات معنى لجمهورنا.

جميع الحقوق محفوظة © 2025 الحوادث
Developed By: Zahid Raju