رسوم متحركة بواسطة ChinaImages - © Depositphotos
من خيال العم ياسين، قصص للبنات والبنين.
القط ذو الجوارب
لَبِس القط جوربا أبيض يغطي أرجله الأربعة. ولذا سميتُه "ذو الجوارب" Socks. هو قط مدلل، يحب أكل سمك التونة، كان يحب الجمبري، ولكن حينما تذوق سمك التونة قلب بقدميه الأماميتين صحن الجمبري، كأنه يقول لنا بحركته تلك: لا تبخسوني حقي في اختيار طعامي المفضل. أنتم يا آدميون تتغير أفضلياتكم دوما ودائما. وكذلك الحال معنا، نحن معشر القطط.
والغريب في الأمر أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان صدر عام 1950، ولكن سبق ذلك الإعلان في تطور هام للقوانين الدولية هيئة الجمعية الأمريكية لحماية الحيوانات، حماية الحيوان سبقت حماية الإنسان. تعرض الإنسان للمحرقة في عهد هتلر، ولكن لم يحدث هذا بالنسبة للكلاب والقطط وما إليها من الكائنات الحية. وتقام من أجلها حملات التبرعات المالية التي تتدفق من كل جانب لحمايتها ورعايتها.
وعودا إلى القط المدلل ذو جوارب، ولا داعي لاتباع قواعد سيبوية في النحو والصرف، فلا تقول بذي جوارب، ويبدو أن Socks يوافق على هذا، وفي معظم الأحيان لا نعرف رأيه فهو يتحين كل فرصة ليسبقني إلى مقعدي المفضل بجوار مائدة الطعام.
لا أدري كيف أعرف هذا مقدما. القط ويسمعني قادما للجلوس قبالة زوجتي، فيسارع إلى القفز إلى ذلك المقعد وهو يلعق جواربه بلسانه الذي يستخدمه كماكينة تنظيف تعمل باستمرار. وإذا مسحت ظهره يبدي عدم رغبته في تلك اللمسة في رفع إحدى يديه الأماميتان ذوات الأظافر الحادة منذرا لي، كأنه يقول: ليس لك الحق في مسح أي جزء من أجزاء جسمي. هذا هو حق ماما، والدتي، زوجتك الحنون. وإن لم ترعوي، فسوف أرمي يدك برد فعل هو من حقي. كنتم تقولون في مصر للإنجليز: "الجلاء؟ الجلاء بالدماء". فأقول لك نفس الشيء!!. واتصوره يقول: الإنسان حيوان ناطق، وأنا حيوان ناطق أيضا. الفارق بيني وبينك هو أنك أكبر حجما، وأبغض صوتا، وأقل دراية بما يدور في خلدي كقط ماهر، لست لئيما ولكنني معتقل. ودليل ذلك أنني أنام في النهار، وأصحو ليلا. ارتاح من شغب الأدميين، فأنتظر ذهابهم إلى غرف نومهم لكي يخلو لي الجو، وأتفرج على القطط الأخرى التي تحضر كل يوم، صباحا ومساء، لكي تحصل على ما تجدون به إليهم من الطعام والماء.
ومن حسن حظ "ذو الجوارب" أنه بجوار منزلنا تل صغير فوقه مقبرة تاريخية تعتني البلدية بتنظيفها ورعايتها ويأتي سواح القرية للمشي في طرقاتها. وهي مقبرة يلجأ إليها العديد من القطط. يختبئون وراء "الشواهد" الحجرية التي تعلق أسماء من نالتهم يد المنية منذ القرن السابع عشر. أسماء تزين الآن لافتات الشوارع المحيطة بنا. وتلجأ إليها القطط من أفراد أسرة "ذو الجوارب" العديدين في حالات المطر والثلج والرياح. وذلك قبل أن ينزلوا إلى الباب الخلفي لمنزلنا طالبين الطعام والشراب.
وفي تلك الحالات، يبدأ "ذو الجوارب" في الصياح بصوت القطط المعروف ليعلن لنا، وخاصة لزوجتي، أن أقاربه قد جاءوا للعشاء وعلينا أن نلبي حاجاتهم الأساسية. وهذه موسيقى صوتية، وأحيانا دوشة موسيقية تجبرنا على أن نرعى أولئك اللاجئين من قبيلة "ذو الجوارب" نشتري لهم الطعام بالأكياس. زوجتي تتذكر دائما أن تشتري طعام القطط، ولا بأس لديها أحيانا أن تنسى أن تحضرلي من السوق القريبة منا نسخة من جريدة نيويورك تايمز لأعرف متى سيحين دخول ترامب السجن، وهي فرحة لن تكتمل إلا بتكبيل ذاك الوغد العنصري والزج به وراء القضبان.
لهذا كله، ترى أن سيرة القطط في منزل العيوطي، تتداخل مع وصف الطبيعة الرائعة المحيطة بنا، ومع الرعاية المستمرة التي نغدقها إحقاقا لحقوق الكائنات الحية المحيطة بنا.
هذا شيء جميل، ولكن "الجميل لا يكتمل" ذلك لأن وجود القطط حول المنزل يرغم الطيور، وخاصة الطيور الزرقاء، على البقاء فوق اعالي الاشجار خوفا منها أن تصبح او تمس وجبة عشاء أو غداء ساخن في فم القطط، تلك الأسود الصغيرة الحجم، الخفيفة الحركة التي تستقرئ ما في أنفسنا دون أن تفصح لنا عن ما يدور في خلدها، وكأنها تقول لنا: "أعرف ما في نفسك، ولا تعرف ما في نفسي" أنا، كحيوان صغير، أعلى منك أنت الحيوان الكبير، المشغول بالقراءة والكتابة والتلفون والتلفزيون".
أما. أنا "ذو الجوارب" فانشغالاتي محدودة، وأولها أكل التونة مع رفض الجمبري، وثانيها التسلق إلى مقعدك المفضل، إذ أنا خفيف الحركة، وداهية من دواهي الطبيعة، تحميني القوانين، ولا تستطيع أن تمد لي يدك بأي أذى أيها الآدمي الثقيل الظل، الخاوي الوفاض الذي لا يدري شيئا عن عالم القطط.
أجداد أجدادك في عصر الفرعونية رأوا في القطط آلهة تعبد، وتخليدا بعد الوفاة بالتحنيط، ورسوما على الصخر تخليدا للذكرى. أنت تبني المسلات الطويلة، ولكنني أضجع تحتها لأستمتع بحياتي وبنظافة جوربي.
أخبار ذات صلة
كل التعليقات ( 0 )