نيويورك – الحوادث لعرب أمريكا
كتب: زياد النجار
مع بدء التصويت المبكر واقتراب يوم الاقتراع الثلاثاء الموافق 24/6/2025 لاختيار عمدة مدينة نيويورك، يبرز اسم زهران ممداني بوصفه مرشحًا استثنائيًا لا يكتفي بتحدّي الأسماء التقليدية في الحزب الديمقراطي بل يسعى إلى إعادة تعريف العلاقة بين السياسة والشارع الأميركي.
فمنذ إعلانه الترشح في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تحوّلت حملته الانتخابية إلى ما يشبه حراكًا اجتماعيًا ينطلق من القاعدة الشعبية، ويستقطب الناخبين الذين يشعرون بأن مدينتهم لم تعد قابلة للعيش. كما يراه محللون اختبارًا حقيقيًا لقوة التيار التقدمي داخل الحزب الديمقراطي في واحدة من أكثر مدن العالم تأثيرًا.
ويُعتبر ممداني تقدميًا مناصرًا للقضية الفلسطينية.
وُلد زهران ممداني ونشأ في أوغندا لأب أكاديمي من أصول هندية هو المؤرخ محمود ممداني، وأم هندية هي المخرجة السينمائية الشهيرة ميرا نايير. وانتقل مع أسرته في سن السابعة إلى نيويورك، حيث نشأ في بيئة متعددة الثقافات، ومشحونة بأسئلة الهوية والانتماء والعدالة.
تأثر ممداني بتجربة والده الفكرية وأعمال والدته الفنية، ليوجّه لاحقًا بوصلته نحو القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تمس الفئات المهمشة. فقد انخرط مبكرًا في العمل الميداني، ونشط في الحملات التي تطالب بإصلاح قوانين السكن وإلغاء ديون الطلاب، قبل أن يُنتخب عام 2020 عضوًا في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك عن منطقة أستوريا.
ينتمي زهران ممداني إلى التيار الديمقراطي الاشتراكي (Democratic Socialists of America - DSA)، وهو الجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي الذي يُعتبر السيناتور بيرني ساندرز من أبرز وجوهه.
وينتقد بشدة سياسات الاحتلال الإسرائيلي ويصف الحرب على قطاع غزة بـ"الإبادة الجماعية"، مما يضعه في مرمى انتقادات المحافظين ويؤثر على مصيره في الانتخابات في ظل وجود 16% من الناخبين اليهود بالمدينة.
ففي عام 2021، كان أحد الأصوات القليلة في الجمعية التشريعية التي طالبت بوقف تمويل الشرطة التي تتعاون مع الجيش الإسرائيلي، كما شارك في فعاليات مناصرة لفلسطين في نيويورك، وصوّت لاحقًا ضد تشريعات يرى أنها تقيّد حرية التعبير الداعمة لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS). وهي حركة عالمية تسعى إلى كشف ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وفضح عنصريته، وإلى وقف كافة أشكال التطبيع معه، وتدعو إلى مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل، معتمدة على ثلاث ركائز أساسية، هي المقاطعة، وسحب الاستثمارات، والعقوبات.
وفي لقاء مع الجالية أثناء صلاة العيد مؤخرًا وزيارته لبعض مساجد المدينة، ذكر ممداني بمواقفه الداعمة للقضية.
وأكد مرشح عمدة مدينة نيويورك، زهران ممداني، في زيارته لمسجد بيت المقدس وأدائه صلاة الجمعة، دعمه الصريح لحركة المقاطعة ضد "إسرائيل"، معتبرًا إياها أداة فعالة للضغط السلمي من أجل احترام القانون الدولي.
وكان ممداني قد دعا في أعقاب الحرب على قطاع غزة عام 2021 إلى "وقف غير مشروط للعنف الإسرائيلي ضد المدنيين". وقال إن "العدالة لا يمكن أن تتحقق في نيويورك في وقت نغض فيه الطرف عن الظلم في فلسطين".
وقد أكسبته هذه المواقف شعبية واسعة بين الناخبين المسلمين في نيويورك، لكنها في المقابل أثارت انتقادات شديدة من جماعات ضغط مؤيدة لإسرائيل.
يخوض ممداني السباق على منصب عمدة المدينة تحت شعار "نيويورك التي يمكنك تحملها"، ويضع ملف غلاء المعيشة في صلب حملته، ويركّز برنامجه على ثلاث أولويات:
وقف ارتفاع الإيجارات.
توفير نقل عام مجاني.
فرض ضرائب على الشركات الكبرى لتمويل الخدمات الأساسية.
ويرى ممداني أن أزمة السكن في المدينة لم تعد مسألة ظرفية، إذ تجاوز متوسط إيجار شقة من غرفة واحدة عتبة 3500 دولار شهريًا، مما يجعل مئات الآلاف من السكان مهددين بفقدان مساكنهم.
ويحذّر، في تصريحاته، من أن نيويورك أصبحت مدينة تعمل لأجل الأغنياء، في وقت يُطلب فيه من بقية السكان أن يقاوموا للبقاء.
هذا ويخوض زهران ممداني سباقه نحو منصب العمدة في سياق سياسي معقّد تتداخل فيه اعتبارات المؤسسة الحزبية ومراكز النفوذ التقليدية؛ فمن بين أبرز منافسيه في الانتخابات التمهيدية الحاكم السابق أندرو كومو، الذي يحظى بدعم من بعض القطاعات النافذة في الحزب الديمقراطي، ويملك خبرة تنفيذية واسعة راكمها خلال سنوات عمله في المنصب.
ويرى العديد من أبناء الجالية "العرب الأمريكان" أن ممداني يمتلك زخمًا شعبيًا غير مسبوق. ويقول بعضهم: "إنهم تعبوا من السياسيين التقليديين، وزهران وعدهم بسياسات ملموسة، لهذا يلتفون حوله".
ويضيفون أن ممداني "قد يكون نقطة تحوّل تاريخية شبيهة بما قام به باراك أوباما الذي استطاع جلب نسبة تصويت غير مسبوقة إلى صناديق الاقتراع بفعل الإلهام وليس بفعل الولاء الحزبي".
لكن البعض يُحذّر من قوة ما يصفوها بـ"الآلة الحزبية" التي تتحكم في الإعلام والتمويل والنقابات. ويقول بعضهم: "لكي يفوز مرشح تقدمي عليه أن يحدث صدمة شعبية تفرض نفسها على الحزب. وزهران (ممداني) اقترب من تحقيق ذلك، وسيكون الاختبار الحقيقي في صناديق الاقتراع بعد أيام قليلة."
ورغم أن ممداني لا يجعل من انتمائه الديني أو العرقي محورًا لحملته، فإن بعض المراقبين يرون أن تزايد الزخم الانتخابي الذي يحظى به يعتبر لحظة فارقة في مسار التمثيل السياسي للمسلمين والعرب والجنوب آسيويين في نيويورك.
إخلاء مسؤولية: الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة موقف جريدة الحوادث والحوادث لعرب أمريكا او القائمين عليها
اشترك في نشرتنا الاخبارية
اشترك في نشرتنا الاخبارية
اشترك في نشرتنا الاخبارية