بواسطة
image: depositphotos/SergeyNivens
حصلت على منحة دراسية كاملة من الجامعة كمكافئة على ورقة قدمتها وألقيتها كمحاضرة حول التطوير الإداري، حيث طلب العميد من طلاب القسم تقديم ورقة حول هذا الموضوع، وكانت هذه سياسة متبعة من عمداء الكليات، بهدف العثور على أفكار جديدة أو فكرة لامعة يسرقونها وينسبونها لأنفسهم، إلا أن عميدنا أثبت العكس تمامًا فقد كان يبحث عن طالب مستحق ليعطيه المنحة، فقد كان التطوير الإداري شغفه الوحيد في الحياة وكان علمًا من أعلامه وأستاذًا زائرًا في عدد من الجامعات الغربية. وفي الحقيقة فقد كانت أول خطواتي قبل أن أشرع في كتابة الورقة، هو أن أقرأ كل ما كتبه حول هذا الموضوع، وتوصلت إلى نتيجة واحدة مفادها أنه إداري محافظ وأكاديمي منهجي بمعنى أنه يضيف إلى المسار ولكنه لا يخرج عنه، فلمعت في رأسي فكرة واستبدلت كلمة تطوير التي يعنون بها الدكتور بحوثه "development" بكلمة التطوير بالمعنى الدارويني "evolution" وعنونت ورقتي "الإدارة بين التطوير والتثوير" "evolution and revolution". ويبدو أن الفكرة أعجبته جدًا لدرجة أنه طلب مني إلقاءها بحضور الطلاب والعمداء. وما إن أنهيت القراءة حتى نهض مصفقًا ونهض معه الجميع. بعد ذلك استدعاني إلى مكتبه وسألني من أين أتيت بالفكرة! حكيت له بصدق أنني كنت ماركسيًا في يوم ما وبالتالي تابعت مسيرة الاتحاد السوفياتي التطويرية ورأيت أنهم نجحوا في كل شيء إلا الإدارة، ففد كانوا بيروقراطيين لحد التحجر وكل فكرة جديدة تتطلب الموافقة عليها من أعلى المراجع بالتسلسل الهرمي وصولًا إلى رئيس اللجنة المركزية للحزب الشيوعي! وأردفت باشّاً في وجهه: أما فكرة التطور فهي فكرة داروينية سعادتكم، وكما ذكرت في ورقتي فأنا أرى أن التطوير الإداري لا يقتصر على التطور الخطي بل يمكن أن يأتي على شكل طفرات. وعقّب العميد: رغم أني لا أوافقك الرأي في مجال الإدارة بالذات، إلا أنني اُسر بالأفكار الجديدة التي تؤشر في اتجاه جديد وربما تُحدث فتحًا جديدًا! وقّع الموافقة على منحتي ومهرها بإضافة جديدة تعبيرًا عن شدّة غبطته: يضاف له مصروف جيب على مبلغ المنحة وحسب التعليمات.
كان اعتدادي بنفسي وفرحي بهذا التميز لا حدود له ولكني ضحكت حين ذهبت لاستلام مصروف الجيب وفي الحقيقة لم يخب ظني فقد كان التكريم الذي حصلت عليه لا يوازيه شيء، فتصدقت بمبلغ مصروف الجيب على أول سائل، فمصروف الجيب اليومي في نظري ليس أقل من وجبتين مشبعتين في مطعمين محترمين ولو على الأقل احتفاء بالمناسبة.
نزار حسين راشد.
كل التعليقات ( 0 )
أخبار ذات صلة