Alhawadeth Archive
د. يس العيوطي: أستاذ قانون بجامعات القاهرة ونيويورك. وعضو مجلس حكماء المسلمين التابع للأزهر الشريف.
نحن العرب؟ ينخر في عظامنا العديد من الأمراض: أولها داء التفاخر والتنابز بالألقاب. وثانيها. داء اعتناق المظهر ونسيان الجوهر. وثالثها الاعتماد على القوى الخارجية، غريبة كانت أم شرقية لحمايتنا من أنفسنا ومن الآخرين. ورابعها الإيمان بأن كرة القدم هي أعظم انجاز، وأهم مغناطيس لاجتذاب السياحة. وخامسا: تبذير الأموال على يد الأسر الحاكمة، متناسين أن البترول مثلا، وكذلك الموقع الجغرافي الفريد هما هبة من الله سبحانه وتعالى وقد حضنا القرآن الكريم ألا نسرف ثم نقعد ملومين محسورين. جاء في الذكر الحكيم: "ألا تغل يدك إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط"
الميديا العربية هي ميادين التناطح والتلاسن بين العرب منذ عهد أحمد سعيد وكان بوقه إذاعة القاهرة. نرفع الإعلام و ننكس الرؤوس، لأن فن الرد يعوزنا. وأين نحن من فضيلة الحكمة، وقد قال الله لرسوله الأكرم: "ويعلمك الكتاب والحكمة" وليست الحكمة سوى استخدام المنطق. وننتقل الآن إلى تفاصيل أخرى.
قال أحمد شوقي مخاطبا الأمة العربية: "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم". كان قصده وضع العرب في غرفة الإنعاش، لكي يفيقوا من سباتهم.
واقع الأمر أننا، ونحن في القرن الحادي والعشرين لم نبلغ مدى التقدم الذي بلغته كوريا الجنوبية، دعك عن تقدم اليابان التي هزمت روسيا عام 1905. غلب الشرق الغرب، وانتشى العرب ذاك النصر، على الرغم من أنهم لم يسهموا فيه. أين الدولة العربية، بترولية كانت أو غير بترولية، التي يمكن تسميتها بدولة صناعية؟
العرب يستوردون ولا يصدرون إلا المادة الخام وهي البترول الذي تستخرجه شركات الغرب. ومازلنا نستورد القمح من أوكرانيا. نعم، نصدر البصل. ولكنك لا تستطيع إشباع الجياع بالبصل. مخابزنا هي موائد الطعام لنا إذ الخبز هو الأصل، ولذا نسميه "عيش". حتى لفظ الأمير يعني الراعي الذي يقدم "الميرة" وهي الطعام. يموت اليمنيون والصوماليون من الجوع، وتمتد موائد الطعام بالغذاء الفاخر في الخليج والمغرب. لا تعاون ولا تكامل ولا تخطيط ولا تنشيط.!!
إعلامنا منحط ولا نعرف من هم العرب إلا عن طريق أبحاث الغرب. نرى صورتنا في المرآة الخلفية لسيارة العالم الصناعي لأننا لا ننتج السيارات. نحن نقوم بتجميع القطع التي تؤلف السيارة، تحت إشراف الخواجات الأجانب.
وقتنا يضيع هباء في تداول الإشاعات، وقراءة شعر السابقين ونسميه "المنتخب من أدب العرب" جميل، ولكن هل هناك منتخب لتصنيع طائرة أو دبابة؟ لا!! نعم، نصنع الدراجات لأنها سهلة الصنع، ولكن معاهدنا لم تخرج بعد من يصنع الإلكترونيات أو التلفونات الذكية. نشتري الجاهز الذي صنعته مصانع الغرب والشرق الأقصى، لأنه "جاهز". عندنا في مصر المحلة الكبرى ومصانع الغسل الغزل والنسيج، وهي مصانع لم نصنعها، بل هي التي تصنعنا، وإنتاج الملابس قطاع محدود.
نقضي الوقت الوفير لأن وقت العمل ضيق، يقول الرسميون "العمل من التاسعة صباحا إلى الثانية بعد الظهر، ولكن معظم الموظفين يجد في التوقيع عند الحضور هو إيذان بالانصراف لأن المدام مريضة أو الصديق في المطار. نردد كالببغاوات:" نحن خير أمة أخرجت للناس". حقيقة أخرجنا بفضل الله، ولكن سبحانه وتعالى يقول" "قل اعملوا". والعمل لدينا هو الحديث عن العمل.
جامعاتنا لا تضع برامجها لتواجه مشاكلنا. البرامج موضوعة على أساس أنماط من الخارج الذي لا يعيش في بيئتنا. بعد الحرب العالمية الثانية، أقيمت في مصر معاهد للتعليم في القاهرة، والإسكندرية، والمنصورة وأسيوط. كنت أحد الخريجين من معهد القاهرة حيث تدربنا على التدريس للفقراء في شبرا وفي شارع الترعة البولاقيه. وفجأة انحدرت برامج تلك المعاهد إذ لم نستمر في التدريب على التدريس، وأغلقت الجامعة الشعبية.
وما هو التدريب على التدريس؟ هو طرق إيصال المعلومة وتحويلها إلى مهارة؟ كان لدينا مفتشون على المدارس والمدرسين، ثم تقلصت مهنة التفتيش. وتركنا الحبل على الغارب. وأصبح التدريس على السبورة والمحاضرة. انتهى عهد المشاركة والتدريب على محو الأمية والنهوض التعليمي بسكان النوبة وسيناء، والفرافرة، وجغبوب، وسيوة. إسبانيا تنتج من الكتب أكثر ما تنتجه كل الدول العربية مجتمعة.
انزل الشارع، واطلب من رجل الشارع: ما هو الأفضل؟ كرة القدم أو المحاضرات يضحك في وجهك، ويقول "الكرة طبعا طظ في العلم".
والدليل على هذا أمامنا، من أجل دورة عالمية لكرة القدم في دولة قطر، أنفقت الدولة للاستعداد لذلك الحدث 220 بليون دولار. أنفقت المبلغ لتحسين وجه قطر عالميا. اهتمت بالبنية التحتية، ولكن البنية الفوقية، هي الإنسان، ما زال يعيش في غرفة الإنعاش وحينما يفيق، لن يستفيد من توجيهات المستشارين الأجانب لعدم إلمامه باللغة أو بطرق التدريب.
وهذا ما نسميه ب "برامج سفاري".. أي تدخل الأدغال وتصطاد الأفيال، وتسرق الأنياب وهي من العاج، ثم تبيعها للصين لتحويلها إلى زخارف وأدوات منزلك؟ إحداث البيئة العلمية في الوطن العربي يحتاج إلى تظافر وتنسيق ليست جامعة الدول العربية مؤهلة للقيام به.
محور الصحوة العربية هو التعليم الصناعي والتجاري وطرق توفير المصادر المائية، وإعادة التخطيط لمستقبل تكنولوجي ورقمي استعدادا بتوديع عصر البترول.
كل التعليقات ( 0 )
أخبار ذات صلة