بواسطة
حينما تسير في شوارع بروكلين، تجد العديد من الوجوه اليمنية والمحلات اليمنية، عن يمينك وعن شمالك. هل أنت في صنعاء أو عدن أو تعز؟ لا. إنه في ولاية نيويورك بالشرق الأمريكي. وما تراه يعكس صورة صادقة للمهل للمهجر العربي الأمريكي الذي كان من أول الوافدين إليه عرب الشام من سوريين ولبنانيين، جاءوا منذ القرن الثامن عشر هربا من الشقاء الذي عانوا منه تحت حكم الإمبراطورية العثمانية.
اليمني في أمريكا لا يسير في وسط حزامه الخنجر التقليدي ولا تتنفخ أوداجه (صدغاه) بأوراق القات المخدرة. هو أمريكي في الظاهر، عربي قح في الباطن. الجالية اليمنية لا تقترف الجرائم، لأنها تسعى إلى الرزق الحلال. عروبة صادقة، تمسك واضح بالإسلام، حريصون على سمعة بلادهم التي يتحكم موقعها في ثلاث بحار: "البحر الأحمر، والمحيط الهندي، وبحر العرب.
يبلغ تعداد الأكشاك التي يبيعون منها الصحف والسجائر والأحزمة وما خف حمله وتناقص ثمنه حوالي 4000 كشك. وذلك في الأحياء الخمسة التي تتألف منها "نيويورك الكبرى". ومن بين الصحف التي تباع من تلك الأكشاك المتواضعة صحيفة نيويورك بوست. وهي صحيفة شعبية، تركز على الأخبار المحلية، يشتريها الشخص عادة ليتفحص الأخبار المحلية وهو في قطار ما تحت الأرض ولا تعنيه كثيرا الحرب في أوكرانيا أو عضوية الناتو.
هاجمت نيويورك بوست الإسلام في إحدى صفحاتها. قرأ اليمني هذا العدوان الصحفي على عقيدته، واتخذ على الفور قرارا هزّ أركان تلك الصحيفة. امتنع كل اليمنيين عن بيعها. حينما يجدون أعدادها ملقاة أمام متاجرهم وأكشاكهم، لا يفكون الخيط التي يربط حزمتها. كانت مقاطعة دون مظاهرات وتشنجات، أدت إلى هبوط دخل تلك الصحيفة. وكانت النتيجة تركيع نيويورك بوست، فاعتذرت وتكرر الإعتذار؟
هذه هي صورة من صور العروبة اليمنية التي ازدهرت في المهجر الأمريكي. وتنعكس تلك الصورة في ابتسامة اليمني حين تدخل محله لأي غرض من أغراضك. إن نطقت بالعربية قائلا مثلا: "السلام عليكم" جاء الرد فورا بيد مفتوحة للمصافحة، وانخفض سعر ما تشتريه لأنك عربي، ويتم هذا عادة بعد أن يسألك صاحب المحل أو الكشك عن البلد العربي الذي تنتمي إليه.
ونظرا لذلك السلوك العروبي أهديت أحد الأكشاك ورقا مقوى حررت عليه "أمة واحدة، ذات رسالة خالدة". حررت تلك الجملة بخط النسخ الذي أجيد ك كتابته، وما كان من صاحب المحل إلا أن قبّلها ووضعها فوق رأسه تحية وإجلالا. نقلني ذلك التصرف ولو لثواني معدودات إلى الوطن الأم (الوطن العربي الكبير).
ورد ذكر اليمن في القرآن الكريم بصورة غير مباشرة، حيث بدأت سورة قريش بهذه الكلمات: "لإيلاف قريش إلافهم رحلة الشتاء والصيف". هذا قسم للتأكيد على صحة معاهدات تؤكد الأمن والسلامة للقوافل التي تتجه من جنوب جزيرة العرب إلى شمالها (أي من قحطان إلى عدنان) كي تزدهر التجارة ويتعاظم التواصل بين العرب. وهو سبق فذ في إلغاء الحدود المصطنعة بين أجزاء الوطن الواحد.
ويتضح تأكيد فجر الإسلام لأهمية اليمن في أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، عين ربيبة وابن عمه، علي بن أبي طالب أول قاض على اليمن بعد أن دخل الإسلام ربوعه الرحبة. وخلف عليا في ذلك المنصب الرفيع معاذ بن جبل. وتجدر الإشارة هنا إلى اهتمام المرحوم جمال عبد الناصر بتشجيع تحديث اليمن عن طريق الاشتراكية ودعم الانتفاضة اليمنية من حكم الإمامة إلى الحكم الحديث (من الإمام يحيى إلى السلال) وجاء رد اليمن في ذلك الحين رافضا بإباء الإملاء من القاهرة في صورة شعر على لسان الإمام يحيى الذي هجا الاشتراكية قائلا: "وأخذ وأخذ مال الناس بالحرام-- جريمة في شرعة الإسلام".
هذه هي شيمة اليمن في الداخل والخارج التي تؤكد قول الشاعر:
كل امرئ راجع يوما لشيمته -- وإن تخلق أخلاقا إلى حين".
وحين أوفدني البنك الدولي إلى اليمن لوضع نظام قانوني وقضائي في اليمن، وجدت اليمن ظاهرا في الشارع اليمني. غضب مواطن يمني من حكم صدر ضده من المحكمة العليا في العليا في صنعاء. فما كان منه إلا أن أطلق بندقيتة على رمز العدالة الموضوع فوق مبنى المحكمة، فأطاحت الطلقة بالميزان. ولا عدالة بدون ميزان!! وحينما ضربت الباخرة كول Cole إحدى وحدات الأسطول الأمريكي سألت المدعي اليمني العام الأستاذ العلقي عن مستوى الحماية في ميناء عدن. فكان رده يمنيا للغاية. قال: "عرضنا عليهم حماية بقواربنا الصغيرة، ولكنهم استعلوا قائلين: "لا أحد يجرؤ على الاقتراب من باخرة نووية كهذه". ضربت كول وغارق في تلك الضربة العشرات من البحارة الأمريكيين.
اليمن هو كتلة من الإباء العربي. ولذا تفشل الحرب السعودية والإماراتية ضد الحوثيين في اليمن، إذ العقيدة أقوى من المدفع. واليمن لا يطأطئ رأسه أبدا.
كل التعليقات ( 0 )
أخبار ذات صلة