Alhawadeth Archive
ما زال النظام العالمي يرزح وتحت أعباء ممارسات الغاب. والبراهين على هذا ساطعة سطوع الشمس. مضى عهد عصبة الأمم الذي بدأ عقب الحرب العالمية الأولى بانقضاض موسوليني على الحبشة عام 1935 وأعقبه انقضاض هتلر على أوروبا ابتداء من عام 1940.
وفي غمرة الفوران العاطفي ولدت الأمم المتحدة عام 1945 معلنة في ميثاقها "نحن شعوب الأمم المتحدة، وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف."
ولم يحدث هذا إذ أكد عصر الأمم المتحدة بأن الويل للضعيف وأن المنتصر يكتب تاريخه بقلمه الذي يقطر دما، صدق الشاعر الفارسي ذو الإصبع العدواني حين صدح بقوله: "كل امرئ راجع يوما لشيمته___ وإن تخلق أخلاقا إلى حين."
وهنا نستعرض أدلة تؤكد عدم شرعية قرارات اتخذتها الأمم المتحدة تنقض ما جاء في ديباجة ميثاق سان فرانسيسكو الذي أورد "وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية".
قرر الميثاق وضع التاج فوق رؤوس خمس دول من بين 173 دولة. وهذه الدول هي أمريكا وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي (روسيا) والصين. والتاج هو من حق كل من هذه الدول إلغاء أي قرار تراه متعارضا مع مصالحها القومية، اسمه الفيتو، أي أن السمك الكبير يلتهم السمك الصغير والذئب يلتهم الحمل والأسد يفتك بالغزال.
ومن أبعد القرارات عن العدالة الدولية قرار الجمعية العامة تقسيم فلسطين. كان المفروض أن يتحول نظام الانتداب الذي وضعته عصبة الأمم إلى نظام وصاية. طبق هذا المبدأ على جنوب غرب أفريقيا وحرمت منه فلسطين. هذا على الرغم من كلا من جنوب إفريقيا وفلسطين كان خاضعا للانتداب. ظهرت دولة ناميبيا وأزهقت فكرة دولة فلسطين.
أزهقت القوى الصهيونية أنفاس العدالة بحرمان فلسطين، ذات الغالبية العربية والأقلية اليهودية ذات الغالبية العربية والأقلية اليهودية، من الوصاية التي تؤدي إلى الاستقلال. والغريب في هذا كله أنه ليس للجمعية العامة أي صلاحية لتقسيم أي أراض. إن كانا للقانون الدولي ولمنطق العدالة أية حيوية أو مصداقية، يتحتم علينا أن نرى في خلق إسرائيل انعدام الشرعية وبشاعة الظلم الذي وقع على عرب فلسطين. وبدلا من أن تكون الأقلية اليهودية في فلسطين مجرد عدة مدن ذات غالبية يهودية، إذا بالأمر ينقلب إلى إحياء كيان يهودي ذي مقاطعتين هما يهودا وسا مرا كانتا على ظهر الأرض منذ الفين من السنين إلى دولة أعلنها بن جوريون في 15 مايو 1948م لحظة انتهاء فترة الانتداب البريطاني. والآن تبتلع إسرائيل الكيان الفلسطيني في الضفة الغربية في مسيرة استعمارية عنصرية، تقودها الدبابات وتغطيها الطائرات. والشعار الجديد هو "دولة يهودية". بقيت غزة على الخريطة لكفاحها المتواصل، وتكاد الضفة الغربية أن تغطيها المستوطنات اليهودية.
وكيف ننسى قرارا آخر يضع المنظمات الإقليمية، ومنها جامعة الدول العربية تحت ابهام مجلس الأمن الدولي، الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة ينادي في مادته الثالثة بهذه الكلمات: "على مجلس الأمن أن يشجع على الاستكثار من الحل السلمي لهذه المنازعات المحلية بطريق هذه التنظيمات الإقليمية" غير ان جامعة الدول العربية وهي منظمة إقليمية تجد نفسها وكأنها فرع من فروع مجلس الأمن الدولي الذي تسيطر عليه خمس دول كبرى. لقد صيغ ميثاق جامعة الدول العربية في الإسكندرية بمصر عام 1944، وذلك قبل الميلاد الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو عام 1945.
بل أن تاريخ التشريعات الدولية يؤكد أن واضعي ميثاق الأمم المتحدة قد استلهموا الفكر العربي السياسي الذي غذّى شجرة ميثاق المنظمة العالمية. سبق العرب العالم في فن صياغة المواثيق، ثم استخدمت تلك المواثيق الدولية ابتداء من عام 1945 ضد العرب في العديد من القرارات وأولها قرار تقسيم فلسطين التاريخية. وخاب من وصفها بفلسطين الإنتداب.
ومعنى الانتداب والوصاية هو عدم قدرة أهل البلد على حكم أنفسهم، إذ اعتبرهم الاستعمار أطفالا يحبون في حارات الاستعمار المتربة والمظلمة إلى أن يبلغوا أشدهم. وهنا نسمع دوي صوت عمر بن الخطاب اذ قال: " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا!!"
كم لعبت أصابع الاستعلائية الغربية فأرغموا الجمعية العامة على ابتلاع قرارها الحكيم بأن الصهيونية هي صورة من صور الفصل العنصري (الأبرثايد)، هذا هو القرار الوحيد في تاريخ الأمم المتحدة الذي مسحته الايدي الصهيونية، من خارطة القرارات الدولية.
وإن أعملت الفكر في أمر المحكمة الجنائية الدولية، وجدت أن الطريق إليها يمر من داخل مجلس الأمن الدولي. لذا تجد أن تلك المحكمة لا تعمل كمحكمة، بال كجهاز مسيس لا يعمل إلا بإمرة الدول الخمس صاحبة الحق في الفيتو.
قتلت الرصاصات الإسرائيلية الصحافية الشهيدة شيرين أبو عاقلة المواطنة الأمريكية وهي في القدس حيث أمجاد الآباء والأجداد العرب منذ عام 641 ميلادية، ولم يقدم الذين اغتالوها إلى المحكمة الجنائية الدولية. لماذا؟ لأن تلك المحكمة هي امتداد للتدابير الإجرائية لمجلس الأمن.
وقامت أمريكا بغزو أفغانستان عام 2002 انتقاما لأحداث 11 سبتمبر التي دمرت أبراج التجارة العالمية، ولم يكن الفاعلون من الأفغان بل كانوا سعوديين ويمنيين.
وتطول قائمة القرارات الدولية التي أجهضت العدالة العالمية، ولربما تمتلك العدالة هي مجرد اسم على غير مسمى. ربما هي حلم من الأحلام. ربما هي كالسراب يراه الظمآن ماء. وربما ينطبق على من ينتظر الفرج من العدالة الدولية، مقولة بأن الغريق يتعلق بحبال من الهواء.
وإذا تشدق الاستعمار الجديد المنبعث من أفواه الدول الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن بأن النظام العالمي الجديد يطبق مبادئ العدل والمساواة بين الدول كبيرها وصغيرها، فسوف يفيق البشر على أصوات المدافع الروسية تدك مدن اوكرانيا وطائرات إسرائيل تدك غزة، علينا أن لا ننسى فإن آفة العلم النسيان.
كل التعليقات ( 0 )
أخبار ذات صلة