الموجة الجديدة في المسرح العربي
تاريخ النشر 16 Mar 2023

Alhawadeth Archive


الموجة الجديدة في المسرح العربي

بقلم الشاعر العربي لعرج

السؤال هو ما نريد كي نفهم ذواتنا؟ وكيف نؤثث لمسرح ينظم أجزاءنا المتناثرة؟ أنريد مسرحا أم شبيهه؟ أصناما سميتموها أنتم وآباؤكم ، غير متفاعلة وبليدة الحس والمشاعر. وما الذي ينقلنا من اللامعنى الى المعنى ومن الهواية إلى الإحتراف لاكتشاف معاني مسرح قوي يستجيب لقراءة الجهابذة من النقاد ولضرورات العصر المتسارعة.

كل المدارس المسرحية الكلاسيكية كانت أو الحديثة دأبت على درب الإتفاق على الأصول في التقعيد لمسرح هادف واع ومقصود، يستخدم الدلالات والرموز لتحقيق الإنسجام البالغ بين المسرح الفكرة والتصور والفضاء والخلفيات وروحه المعنوية والشكلية والتي يجليها جاكوبسون في الدال والمدلول والمرجع لإيصال شيفرة الرسالة ولتحقيق شرط التواصل بين المرسل والمرسل واليه مع التنبيه إلى ضرورة احترام المتلقي بجعل الرسالة الفكرة أو المهيمنة كما يسميها جاكوبسون نقطة إدارة للأحداث والقوى العاملة بم يساعد في ضبط الخيط الرفيع للنص ،و حتى لا تسقط الشخصيات في درب الهواية والإرتجال. إننا نبحث عن المسرح الحقيقي وليس شبهه، عن المتانة في الأداء وليس الهشاشة ،عن الفرجة والمتعة والإقلاع بالخيال والمشاعر إلى الحدود التي تجعلنا واعيين بأنفسنا كون المسرح عمل وممارسة جبارة وواعية وكيان وعالم واسع ومثقف ،ولد من رحم المعاناة، وشمل الأزقة الضيقة والمعامل والإدارات والجامعات بالتصوير والمحاكاة ومنحها طابع إنساني شعوري كما فعل الرومانسيون حينما كلموا الطبيعة وعملوا على أنسنتها ،فلم لا نكلم المسرح نمنحه روحا وعقلا إنه أجدر بذلك وأوسع من أن يضيق علينا ،فنحصر ذواتنا في أفكار مبتذلة يسوقها الرعاع والأميون .

إن الذين يجنون على المسرح، لا يعرفون أن الذوق المعياري في فهم النص المسرحي لميت ولآهل للسقوط فالكل أصبح يفهم في المواضيع لذا وجب احترام عقول النقاد والمتلقي الذي يفهم أساسيات وضوابط المسرح النقي المثقف، المقصود الواعي المدروس المؤطر بكبار المخرجين العالمين أندري مارتني، ستانيسلافسكي، وبريخت وآخرين..

فالناقد المثقف واع بتفاصيل المسرح و أبجدياته الخفية متفرج له بصيرة بالمسرح وعين ثاقبة ملم، ينظر إلى الشخصيات وعواملها المترابطة (النموذج العاملي )وعلاقاتها الوشيجة أو الوثيقة بالفكرة المضاءة الناظمة لتك العلاقات، لتحقيق جمالية المشهد أو الصورة الجامعة المعدلة والتي تتفق مع منظوره هو ، إنه يؤمن أنه إذا استقامت الوسيلة تحققت الغاية والتوظيف الفعلي لهؤلاء العناصر المؤثثة للمشهد المسرحي.

فالحقيقة أن العالم يعيش ثورة إعلامية وقفزة نوعية في مجال الإعلام، وكل قناة إعلامية تنافس أختها، لتوفير الجودة والمتعة لزيادة الإغراء على منتوجاتها، وتقوية حضور نسب مرتفعة من الجمهور وهذا لن يتأتى إلا بتحقيق التواجد النوعي للنصوص التطبيقية غير المنمطة والمحنطة التي تنسخ سابقاتها، فالمتفرج المعاصر ناقد ملحاح، ملم بالعلوم والحقول وينظر إلى المادة الفنية والمسرح على الخصوص بعين التفحص والتحليل والتمكن ولكونه يدرك ماهية الأشياء، يطرح الأسئلة، فضولي حتى الثمالة ما الذي يميز هذا النص عن سابقيه؟ وما غاية وجودي داخل هذا الفضاء المسرحي. فلن يقبل بالرخيص المبتذل وتحصن بمناعة قوية، استقاها من تلاقح العلوم وتجاذب النظريات الحديثة التي طورت من قوة الشخصية في المبادلات والمعاملات التجارية التسويقية، وتولدت من غير قصد شخصية بطولية قوية فرضت نفسها في الأسواق كالأبطال في ساحة الوغى، ونوعت شطارتها بلغة صلبة وحوار متين في المؤسسات العامة والخاصة من فصاحة وحصافة اللسان وتوضيح للفكرة وتنميقها مما يدعونه بفن الماركوتينغ ، فالمسوق الناجح شخصية قوية كونت نفسها وطورت من الأداء وقوت لغتها وتأثيرها البلاغي على الشخصيات.

 فالوزير والبرلماني وكل الرؤساء في أمريكا يعمل مديروا الانتخابات على تأهيليهم نفسيا وبلاغيا يدربونهن كيف يقفون على خشبة الواقع، على تجسيد الشخصية الجديدة وتحقيق شروطها التمثيلية لتوخي الإنسجام، أليس هذا مسرحا وإن كان غير مقصود؟ ولكنه يحقق وظيفته التواصلية والعاطفية والتأثيرية. لتحقيق نسب كبيرة من الإثارة والإنتباه.

أليس هذا مسرحا؟ لقد صار المسرح جزءا منا فالكل يمسرح ويفهم فيه الإختلاف أن من الشخصيات من حققت مسعاها ونجحت في أدوارها المتعددة ومنهم من لا يستحق الوقوف على الخشبة.

إذن مالذي حصل مع توالي الأحداث وتغير الزمن والخطاب، فالشخصيات التي حملت المشعل قد تكون طويلة قصيرة رجال ونساء والديكور موجود طولا وعرضا ولكن الشخصيات بقيمة الكراكوز، إنه الخواء والفراغ المنهجي والفكري والشاعري واللاشعوري، أصناما تدير عقارب الساعة، لا هي بالمسرح الكوميديا ولا المحتوى الهادف التثقيفي، ولا هي من مسرح العبث لأن لهذا الطابع قوانينه وأسسه ويحترمون الضوابط وإن كانوا يختلفون بالفكرة والمنهج ولكنهم مدافعون عن قيمهم وأهدافهم.

لقد أضحينا الآن بين أيدي شخصيات صعلوكية تتزعم المشهد الفكري بلعها البر والبحر والواقع، فتطفلت على المسرح النوعي الشامخ ،هؤلاء الغلمان برزوا في الإذاعة والتلفزيون واحتكروا عقول المشاهدين في القنوات الخاصة والعامة ويسمون أنفسهم بأصحاب الفرجة و أن لهم الفضل في إحياء المسرح الشعبي الدلالي الواقعي ،ضجر منهم الجمهور لكنهم لا يزالون على التأييد من المشرفين على الحقل المسرحي ،انحطاط في الأداء والتشخيص وتفنن في الاستهتار وغياب ثام للمحاكاة والتعبير ،غرضهم استهلاك الوقت بالهدر الكلامي البذيء بغاية إضحاك المتفرج وتسليته،،إنه نوع من التيه والاختباء وراء حكايات وأحجيات السواقين والمزاح المغلظ الذي لا يرقى إلى الصفاء الدهني والتطهير الروحي الذي يجعل المتفرج يتخلص من مكبوتاته ونزواته القديمة والمجتمعية، التي تضخمت عبر المعاناة التي اكتوى بها ،فما عاد المسرح شافيا كافيا يلهم الصغار والكبار يأخذون له المواعيد الطوال منتظرين حضور وازن للنقاد والنجوم اللامعة من شخصيات مثقفة بارزة، تعطي للفكرة قيمة كبيرة، وتفحم النقاد بالأداء المشرف والتصوير والفكرة الرنانة التي تصلح الفاعل.


أخبار ذات صلة

المزيد من الأخبار

كل التعليقات ( 0 )

جميع الحقوق محفوظة © 2023 الحوادث
طورت بواسطة : Zahid Raju