بواسطة
الدكتور يس العيوطي
إسرائيل بضاعة صنعت في عدة جهات: أولها المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في مدينة بازل في سويسرا في أواخر القرن التاسع عشر. أدار هيرتزل صاحب النظرية الصهيونية الحوار. وحدث خلاف مثل الانفجار ما بين الداعين الى تجميع اليهود في بلد واحد، والقائلين بترك الشتات حيث كان.
ولكل نظرة ما يؤيدها في المنطق اليهودي. القائلون بالتجميع يرون القوة في الحشد. والداعون إلى المحافظة على الشتات يرون القوة في الانتشار من أجل التحكم في الحكومات عن طريق الرشوة وتعيين مستشارين يؤمنون بنجمة داوود. القاسم المشترك الأعظم بين الرأيين هو احتكار النفوذ.
أمعن هيرتزل في الأمر، وفكر في استعمار أوغندا من أجل تجميع اليهود فيها. ولكن الغالبية اليهودية، وخاصة منهم المتشددون، قالوا منذ الفين من السنين كانت لنا دولتان في يهودا وسامره. وعلينا أن نعود حيث كان أسلافنا، أي إلى فلسطين.
المال سلاحهم، وقد وظفوه عن طريق أسرة روتشيلد التي توزع أفرادها بين خمس دول أوروبية، أهمها إنجلترا وفرنسا وبولندا. ولم تكن أمريكا حينذاك في الحسبان وذلك لعزوف الأمريكيين عن الهجرة اليهودية إليها، التي قد تمتص الوظائف وتثير المصادمات السياسية بين أهل التبشير وأهل السياسة.
وحين اندلعت نيران الحرب العالمية الأولى، عام 1914، كان للعالم اليهودي وايزمن الباع الطويل في استخدام الكيمياء سلاحا. وقبل نهاية الحرب في عام 1918، أرادت بريطانيا مكافأة اليهود على خدماتهم. وصدر وعد بلفور عام 1917، وكان الجنرال اللنبي البريطاني حاكما لفلسطين. وتم على يده اقتطاع فلسطين من الجزء الجنوبي لسوريا. وتوالت الضغوط اليهودية على لندن، وأعلن وزير الخارجية بلفور ضرورة خلق وطن لتجميع اليهود في فلسطين.
ومن يقرأ وعد بلفور لا يجد ذكرا للعرب فيه. وإنما ذكر اسم الآخرون من غير اليهود!!. وأعلنت بريطانيا إنتدابا على فلسطين عام 1921، مخالفة بذلك الوعود التي أعطيت للثورة العربية الكبرى وراعيها الشريف حسين. فحوى تلك الوعود استقلال الأراضي العربية عن الإمبراطورية العثمانية عقابا للأتراك على انضمامهم إلى ألمانيا في تلك الحرب الضروس.
كان الاتفاق المسمى "اتفاق سايكس بيكو" بين بريطانيا وفرنسا من أجل فرض احتلال من جانبهما على الأراضي العربية شرق السويس. وحينما شبت نيران الثورة العربية التي استهدفت الخلاص من كل من بريطانيا وفرنسا، أخمد السلاح البريطاني تلك الثورة، وشجعت بريطانيا على هجرة اليهود إلى فلسطين لكبح جماح حركة الاستقلال العربية، وعمد الصهاينة إلى تصوير هجرتهم إلى فلسطين كواجب ديني للعودة إلى ما سموه "أرض الميعاد". وليس الله سبحانه وتعالى سمسار عقارات وأراض كي يحدد أرضا معينة لأصحاب دين معين، وهم الذين وصفتهم سورة الفاتحة ب "المغضوب عليهم".
ورغما عن أن عدد العرب في فلسطين زاد كثيرا عن عدد اليهود، إلا أن المال اليهودي للتسليح والرشوة كانت له الكلمة الأولى وخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945. وبحلول عام 1948 كانت بريطانيا قد أجهدتها الثورة العربية بقيادة الحاج أمين الحسيني ومساعدات الضباط الأحرار العرب بقيادة جمال عبد الناصر ومحمد نجيب، وأعلنت أن الانتداب سينتهي في فلسطين في 15 مايو 1948.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اتخذت قرارا غير شرعي عام 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين، إحداهما يهودية ولها الجغرافيا المتميزة، وأخرى عربية وليس لها من ساحل غير قطاع غزة. رفض العرب التقسيم إذ ليس للأمم المتحدة أي سند قانوني يدعوها إلى تقسيم أراضي وخلق دول.
ومما تقدم يتضح أن خلق إسرائيل تم بصورة غير شرعية في نيويورك، وبها المال اليهودي والضغط على حكومة ترومان وقد أوهمه اليهود أن "إعادة" ظهور إسرائيل هو دليل رباني يقرب "عودة المسيح" وجاء بن غوريون إلى البيت الأبيض وبين يديه هدية إلى الرئيس الأمريكي عبارة عن "مينورا" Menora ذات شعب مضيئة. وكان السلاح يتدفق على العصابات اليهودية في فلسطين من أوروبا الوسطى (بولندا وتشيكوسلوفاكيا). وكان اليهود قد تدربوا على طرق القتال الحديث لضلوعهم مع قوات الحلفاء.
إذن المال والسلاح والتدريب والعقيدة الصهيونية، ونظام الحكم في أمريكا الذي يكافئ من له جيوب عميقة واستعداد لشراء مقاعد في الكونجرس هي كلها مخالب متكالبة على رفع راية إسرائيل على الأراضي العربية في فلسطين. وهزمت القوات المصرية المسلحة في المعركة الحاسمة في الفالوجة وكان عددها 15,000 ضد 35 ألف محارب يهودي، وتم الانسحاب المصري باستثناء قطاع غزة، وتدخل مجلس الأمن ولأمريكا فيه صولة وجولة عن طريق الفيتو وأعلنت الهدنة التي استغلها اليهود لصالحهم.
ويا ليت العرب أعلنوا دولتهم في فلسطين عام 1949 في نفس وقت إعلان الصهاينة لدولتهم المزعومة في فلسطين، ثم العمل على تحجيم إسرائيل بمنعها من التمدد في صحراء النقب والوصول إلى ميناء أم الرشراش على البحر الأحمر التي سموها إيلات.
العرب اعتمدوا على الوعود الدولية والقوانين الدولية واحتمال نجاح السلام. ولكن ذاك الاعتماد لا يجدي إذ انقسم الرأي العربي العام، وتطاحنت الزعامات الفلسطينية، ولم تتعاون الأنظمة الملكية العربية مع حركة التحرير الفلسطينية، وساد الفساد، كما نراه اليوم، بل وانقسمت فلسطين كما نراها الآن إلى دولة في رام الله واخرى في غزة.
هكذا صنعت إسرائيل في واشنطن لا في لندن. وجاء التطبيع عن طريق المعاهدات بين مصر وإسرائيل، والأردن وإسرائيل، والمغرب وإسرائيل، والسودان وإسرائيل، والإمارات وإسرائيل.
وتمكن اليهود في أمريكا من كبت أنفاس كل من ينطق باسم الحق العربي قائلين إن هذا معاداة للسامية، أي تحولت المعركة كما هي الآن إلى حرب دعاية للاغتصاب الإسرائيلي حتى للأراضي التي اتفق على أنها لفلسطين في اتفاقيات أوسلو بين ياسر عرفات وإسحاق رابين، وقتل رابين لدعوته إلى مصالحة العرب، وقتل السادات لدعوته إلى مصالحة اليهود. ولكن الحق العربي لم ولن يقتل. فان الحق لا يموت ما دام وراءه مطالب.
والمطالب يرى في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 القاضي بقيام دولتين على نفس الأرض، الطريق الأمثل إلى إيقاف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والصراع الفلسطيني الفلسطيني، والصراع الإسرائيلي الإسرائيلي. ولكن الصهيونية لا ترى في إقرار السلام الدائم إلا خسارة لها. الصراع يوحدهم ويجلب التبرعات لهم، وما كل غير ذلك إلا سراب
الدكتور يس العيوطي: كاتب واستاذ القانون بالجامعات الامريكية
كل التعليقات ( 0 )
أخبار ذات صلة