المسؤولية الاجتماعية ودورها في الموازنة بين التنمية الاقتصادية ورفاهية المجتمع.
تاريخ النشر 15 Feb 2023

Alhawadeth Archive

إن غياب المسؤولية الاجتماعية يعد كارثة حظيرة على الأمة, ومرضا تفشى بسرعة من جراء آلا مبالاة وعدم النهي عن المنكر والسعي بين الناس بالمعروف, أفقد المجتمع توازنه وحرمته وأدخلنا في متاهة التطرف الفكري, التي أصبحت ظاهرة سلبية ذات تأثيرات خطيرة على المجتمع, وخاصة في المدارس والجامعات ونحن نشهد هيمنة القيم المادية على كل شيء, وقد أصبح لها تأثير قوي وسلطة واسعة وظل ثقيل, وتفكك للروابط الأسرية واستفحال ظاهرة الطلاق والخلع, وحسب إحصائيات وزارة العدل الجزائرية تم تسجيل 44 ألف حالة طلاق وخلع في النصف الأول من عام 2022، أي بمعدل 240 حالة يومياً و10 حالات في الساعة، معظمها بين المتزوجين حديثا, في الفئة العمرية بين 28 و35 سنة، للعلم ً أنها بلغت 100 ألف عامي 2020 و2021.

وانتشار الفساد وانعدام الثقة بين المواطن والمسؤول, أو بمعنى أخر بين الدولة والمواطن, و ظهور في الجهة المقابلة مقتنصو الفرص و صائدو المناصب الذين لوثوا الممارسة السياسة إلي درجة أنها أصبحت منفرة وتخيف النزهاء من خوض غمارها خوفا من الشبهات المحيطة بها, وبما أن الشباب يعتبرون العمود الفقري للحركات السياسية وهم الأغلبية الساحقة القابلة للتأثر بالسلبيات الناتجة عن غياب المسؤولية الاجتماعية, وبما أنهم يتمتعون بدرجة عالية من الثقافة والوعي إلا أنهم ليسوا في مأمن من الاستهدافات والاختراقات التي تجعل منهم ورقة ضاغطة سياسيا.

ومع انتشار ظاهرة الربح السريع وهيمنة القيم المادية ومفاتنها الغربية ووهج الفكر العلماني الغربي وسحره ومده الجارف وما خصص له من دعم مادي وسياسي وذكاء مخابراتي, وبما أن مرحلة الشباب تعد من أكثر مراحل النمو الاجتماعي, وعليه فإنهم مهيئون لاختراقهم وتوجيههم للعنف حسب ما تقتضيه الظروف وهذا نظرا لبنيتهم الجسدية والنفسية و تطالعانهم المستقبلية لتحقيق أحلامهم وآمالهم مهما كانت الطرق والأسباب.

وبما أن قضايا التطرف والجنوح الفكري، والإرهاب، والعنف، والغلو، كان وما يزال من الاهتمامات التي خاضها و يخوضها المفكرين والإعلاميين والاجتماعيين والنفسانيين وسال لوقعها الكثير من الحبر, نظرا لما لها من تأثير و مخاطر على الفرد والمجتمع، وبناءا عليه فقد أصبحت الهبة الشاملة أمرا ضروريا على الجميع وطرحا تنويريا لا مفر منه, وحسب التعريف المعمق للتطرف الفكري فلسفيا بأنه "اندفاع غير متوازن إلى التحمس المطلق لفكر واحد يصبح معه صاحبه أحادي الشعور، وفي حالة اضطراب نفسي يفقده حاسة التمييز بين الحسن والأحسن، و السيئ والأسوأ".

ومع غياب المسؤولية الاجتماعية والتنصل الملفت للانتباه من الجميع والركود الذي ضرب أطنابه على الجمعيات والدعاة والمجتمع المدني, يصبح التطرف أسلوبا لا يقبل أية معتقدات ولا يعترف بالواقعية الأدبية والأخلاقية بكل أبعادها ويغلب عليه السواد وقصر البصر والبصيرة, عندها يصبح جموحا عنيفا وخروجا قويا عن المنظومة الأخلاقية والفلسفية السائدة في المجتمع، ورفض للواقع المعاش, أما التطرف الفكري فإنه يمثل التعصب في الرأي والمغالاة في تنفيذ أوامر الله ونواهيه، ويصبح الشخص متصلبا متشددا, فلا يعترف بآراء الآخرين ويتهمهم بالكفر، ويتبع معهم أساليب الإكراه حد الترهيب, إذ يعرف التطرف الفكري بأنه "عبارة عن تبني أفكاراً غير سليمة تولد أقوالاً وأفعالاً ضارة بالنفس وبالآخرين و بالمحيط الذي يعيش فيه الفرد". وهناك من يعرفه بأنه "حالة من الانغلاق الفكري تجعل الفرد على ثقة مطلقة بمعتقداته، وفي ذات الوقت تجعله لا يتقبل آراء الآخرين، فالمتطرف دائماُ يحاول فرض رأيه وأفكاره بالقوة مستخدماً العنف تجاه الآخرين".

والواقع فإن نمو ظاهرة التطرف الفكري لدى الأفراد يعود إلى ثقافة الأنا وإقصاء الآخر، وهو ما يترتب عليه آثارا مدمرة للفكر التوعوي والسياسي والاقتصادي والمجتمعي، ولعل أخطر هذه الآثار السلبية الناتجة هي الفكر المتطرف والسقوط في هاوية تكفير الآخرين واستباحة دمائهم وأموالهم .

إن المسؤولية الاجتماعية تعد مطلباً أساسيا وعلمياً وضرورة اجتماعية ملحة, يجب على الجميع التجند لبعثها من جديد ومداواتها وتحديثها بالتحسيس وعقد دورات و لقاءات تنويرية من طرف نخبنا لخلق موازنة بين التنمية الاقتصادية ورفاهية المجتمع, لأن المجتمع بكافة أطيافه وأجهزته ومؤسساته بحاجة إلى الفرد المسؤول اجتماعياً ، فارتفاع الوعي ودرجة الإحساس لدى أفراد المجتمع بالمسؤولية الاجتماعية يخلق توازنا صحيا يجنبنا الكثير من السلبيات على المدى القريب والبعيد ونكون بذلك بصدد إعداد جيل يحمل عبء المستقبل ويساهم في بناء وطنه وخلق وتيرة إنتاجية سياسية مبدعة مشبعة بالروح الوطنية التي نراها تضمحل شيئا فشيئا وخاصة عند الشباب.

بلخيري محمد الناصر




كل التعليقات ( 0 )

أخبار ذات صلة

المزيد من الأخبار

جميع الحقوق محفوظة © 2023 الحوادث
طورت بواسطة : Zahid Raju