الحنين للأكلات الشعبية، بين التراث والأصالة.
تاريخ النشر 11 Feb 2023

بواسطة

الإعلامي بلخيري محمد الناصر

الثقافة تعتبر من أهم العوامل المساعدة على التنمية البشرية والاستثمار الناجح لبناء مجتمع إيجابي, وأداة فعالة لصقل الفرد وبعثه ليكون في خدمة الرخاء الفكري, كما تعتبر كذلك عصب الشعوب ، وسبيلها نحو التقدم والنهضة , وهي بمثابة مؤشر على مدى تطور الأفراد فكريا وأدبيا واجتماعيا, وقد تتعدى ذلك لتشمل السلوك السوي الذي يمهد سريانها نحو التطور الإيجابي لخدمة البلاد والعباد, كما تعتبر من وسائل تغذية التزاوج الفكري الحضاري, الممهدة لتقارب الشعوب وانصهار عاداتها وتقاليدها, وفك العزلة عن الثقافات الراكدة في المعمورة. وقد لعبت الثقافة الجزائرية منذ الاستقلال دورا مهما في إنعاش التبادل الفكري وفتح فضاء التراث الجزائري على مصراعيه أمام شعوب العالم وخاصة المعسكر الشرقي والغربي

كذلك فهي فن راقي في منهجية المعاملات البشرية والروحية والإلمام بالمدارك السامية والتدبر في الكون وأبعاده وجميع العلوم وتشعباتها، وبما أن الأكلات الشعبية الجزائرية الغنية و المتنوعة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، والعادات والتقاليد موروث ثقافي مهم مازال يحظى باهتمام الدولة، خاصة في مجال السياحة وتبعاتها، فقد أصبحت تستقطب فئات كبيرة من الشعب الجزائري الذين يترددون على المطاعم الشعبية المتخصصة في هذا الميدان، ومن الأكلات الشعبية المهمة رغيف الشعير " الرغدة" الذي أصبح يباع بكثرة في ولاية تبسة، كما أصبحت المخابز كذلك تولي اهتماما بخبز الشعير ، الذي أصبح له زبائن كثر، نظرا لوصفه من طرف الأطباء المتخصصين في داء السكري على إنه يحتوي على مجموعة من الألياف المساعدة في تقليل شهية الفرد إلى حد كبير، كما يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، لأن الحد من تناول الأطعمة يعتبر من أحسن أساليب الوقاية التي ينصح بها أطباء مرضى السكري، وإن ارتفاع نسبة السكر بالدم مرتبط مباشرة بكمية الأطعمة ونوعيتها، ولهذا يعتبر خبز الشعير لمرضى السكر من الوجبات الجيدة الصحيّة.

كذلك من الأكلات الشعبية المهمة كسكسى الشعير "بودشيش" الذي يعتبر هو كذلك من الأكلات المهمة وخاصة في ولايات الشرق الجزائري, مثل تبسة وسوق أهراس وخنشلة, نظرا لاعتباره مصدر فيتامين 6 والمنغنيز والسيلينيوم والفوسفور، بالإضافة إلى كمية من الحديد, وأيضا من أهم الأكلات الشعبية الكسكسى و البركوكش المعروفين تقريبا في جميع أنحاء الوطن, والزفيطي تلك الأكلة الحارة المعروفة عند أولاد نايل بمنطقة الجلفة والمسيلة, وقد كان له فضل كبير أثناء الثورة التحريرية على المجاهدين الذين يتناولونه في فصل الشتاء, ليبعث فيهم قوة تساعدهم على تحمل البرد أثناء تنقلاتهم في الجبال.

وقد احتضنت بلدية نقرين ولاية تبسة مؤخرا المهرجان الوطني للأكلة الشعبية في طبعته الثانية 2023, الذي نظمته الجمعية الثقافية للسياحة والإبداع الفني, والذي استقطب اهتمام الضيوف المشاركين الذين قدموا من مختلف ولايات الوطن, من الغرب والوسط والجنوب, للتعريف بأصناف الأكلة الشعبية, ومن بين فوائد هذا المهرجان الوطني هو التعريف بالسياحة الداخلية لولاية تبسة, وإحياء التراث الشعبي الذي تزخر به منطقة نقرين و فركان وقصورهما العتيقة وواحاتهما, علما أن منطقتي فركان ونقرين تعتبران من المناطق السياحية المهمة في الجزائر, نظرا للطبيعة الجغرافية للمنطقة التي تشكلت عبر العصور فكانت لوحة فنية أنجزتها الطبيعة بطريقة إحترافية وعلى مهل, كذلك بما تحتويه من اثار وقصور عتيقة وواحات ذات نخيل باسق جميل.

لهذا فتبادل الثقافات بين ولايات الوطن وباقي الأوطان العربية, يساعد على ربط أواصر التعاضد والتكاتف الوطني ويمهد لبناء وربط صداقات وتعارف تساعد على تقوية اللحمة الوطنية التي ستكون سدا منيعا في وجه أعداء الأمة, المتسللين الحاملين لفكر مشوه مقزم لأصالتنا وهويتنا الوطنية, كما تساعد على التعريف بالعادات والتقاليد لكل منطقة, علما أنه لا يوجد اختلاف كبير في هذه العادات ماعدا في بعض التسميات.

كما أن الثقافة في حد ذاتها عامل من عوامل تقارب الشعوب، ونسج صدقات بين العائلات العربية والتعريف بالتراث والعادات لكل المناطق، من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها، وهذا في حد ذاته كفيل ببعث إستقرار ثقافي وفكري يساعد على تحريك التنمية في جميع مجالاتها إقتصادية وسياسية واجتماعية، تقتل الإنعزالية والركود.





كل التعليقات ( 0 )

جميع الحقوق محفوظة © 2023 الحوادث
طورت بواسطة : Zahid Raju