Alhawadeth Archive
قبل 11 يوما من انتخابات التجديد النصفي الامريكية اقتحم ديفيد ديبابي البالغ من العمر 42 عاما منزل نانسي بيلوسي،في سان فرانسيسكو وشوهد وهو يهوي على رأس زوجها بول البالغ من العمر 82 عاما بمطرقة 'شاكوش' وكان يصيح 'اين نانسي؟ اي انه كان ساعيا في عمله الارهابي التخلص من زعيمة الحزب الديمقراطي نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب في الكونجرس الامريكي.
فهل ظاهرة 'ابو شاكوش' او العنف والارهاب المرافق للعملية الانتخابية الامريكية انعكاس لغضب فردي لمحبطين من النظام السياسي، ام انها مؤشرا على الاستقطاب العميق في المجتمع الامريكي وما هي الا ارهاصات لصراعات طبقية واجتماعية اعمق أخذت منحى صدامي عنيف سيضع النظام الحالي في محنة وعلى المحك؟. فها هي احد مؤشرات ازدياد وتيرة الصراع، فقد ازدادت التهديدات الموجهة ضد اعضاء الكونجرس منذ عام 2017، من 3939 تهديدا إلى 9625 في عام 2021، وفقا لشرطة الكابيتول، وهي الجهة المسؤولة عن حماية أعضاء الكونغرس.
ابو شاكوش هذا، تقوم الان السلطات بفحص تدوينات، يعتقد انها له، تعكس تبنيه لنظريات المؤامرة التي تتحدث عن خطّة سرية مزعومة من قبل الدولة العميقة وباشتراك قادة من الحزب الديمقراطي لخطف والاعتداء الجنسي على الأطفال والعنصرية المعادية للبيض وسيطرة 'النخبة' على الإنترنت ومعاداة السامية، و هذه الافكار منسجمة مع ما تتبناه من نظريات وافكار المجموعات الاخرى من البيض المتفوقين العنصرية المتطرفة مثل الكيو انون، والذين قاموا بالبحث عن نانسي بيلوسي ونائب الرئيس 'بنس' ورفعوا شعارات الموت لهما عند ارتكبوا فعل التمرد على النظام ومهاجمة مبنى الكابيتول – مبنى الكونجرس- في 6 يناير/ كانون الثاني 2021 بغرض ايقاف الاجراءات الرسمية لتنصيب جو بايدن (الديمقراطي) رئيسا للولايات المتحدة، باعتبارهم يعتقدون ويتبنون وجهة نظر زعيمهم دونالد ترامب (الجمهوري) ان الحزب الديمقراطي قد تلاعب بالانتخابات، وما ادراك ماهي الانتخابات في الولايات المتحدة؟؟!!.
اعتاد الأمريكيون ان ينتخبوا كثيرا، فالنظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية جعل الديمقراطية الامريكية متمحورة حول الانتخابات، يهيمن على مجرياتها، مناصفة، حزبان برجوازيان ممولان بنسبة عالية من قبل مالكي الثروة الكبار، وتجري بتردد سريع في المواقع الحكومية والتشريعية على كافة المستويات ابتداءا من حكومة البلدية (رئيس البلدية والمجلس البلدي والمجلس التعليمي) وحكومة المقاطعة (المحافظة) ومجلسها ورئيس شرطتها وحاكم الولاية ومجلسها التشريعي ثم على المستوى الوطني الرئيس وأعضاء الكونجرس. ومنها ماهو يجري كل عامين مثل انتخاب كامل أعضاء مجلس النواب 435 وتقريبا ثلث أعضاء الشيوخ المائة، ومنها كل أربع سنوات مثل انتخاب الرئيس. الانتخابات الحالية 2022 هي انتخابات التجديد النصفي وتسمى كذلك كونها تجري بعد انتخابات الرئيس بعامين ويتبقى له سنتين هي نصف مدة ولايته، وفي حال فوز حزب الرئيس بغالبية مقاعد الكونجرس فانه يستطيع استكمال تنفيذ برنامجه وبخلاف ذلك تتعطل برامجه، وتشير التجربة التاريخية الى ان حزب المعارضة في معظم الانتخابات النصفية هو من يحقق نجاحا على الحزب الحاكم.
وعليه فان انتخابات 2022 النصفية الجارية الان وانتخابات 2024 القادمة هي الجولة الثانية من مباراة تبدو دامية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بدات اولا بفشل ترامب عام 2020 بالفوز مقابل خصمه الديمقراطي جو بايدن، الذي لا يحمل اية مواصفات كارزمية وكان يصفه ب 'جو النعسان'، مما جعل ترامب يقود تمرد جماعات البيض المتفوقين رافضا نتائج الانتخابات. ان الصراع الحالي في المجتمع الامريكي ينعكس في هذه المنافسة بين حزبين تقليديين يحاولان ركوب أمواج محيط هادرة في لجة التغيّر الهائلة في البيئتين الداخلية والخارجية. في هذا الاشتباك نرى المزيد من المال والمزيد من المرشحين والمزيد من الانقسام السياسي، قالت المديرة التنفيذية لمؤسسة اوبنسيكريتز OpenSecrets ، المختصة باحصاء اموال الانتخابات، شيلا كرومهولز. 'يرتفع الإنفاق في جميع المجالات في دورة منتصف المدة هذه، مما يغذي دوامة الاستقطاب التي لا تظهر أي علامات على تباطؤه'. التكلفة الإجمالية لانتخابات التجديد النصفي الفيدرالية لعام 2022 تبلغ 9.3 مليار دولار، وفقا للتقدير المبكر والمتحفظ من قبل OpenSecrets.
وعليه، لا شك ان نتائج الانتخابات القادمة ستكون مؤشرا على مستقبل النظام السياسي في الولايات المتحدة وعلى دورها في العالم. فالى أين تتجه مؤشرات هذه الانتخابات؟
الناخبون الامريكيون يتوجهون لصناديق الاقتراع ومحركهم الاساسي هو المصالح وما فهموه من برامج ووجهات نظر خاصة بواقع التضخم والجريمة والهجرة والضرائب وأسعار الطاقة وحرية المرأة والاجهاض وحرية المثليين وحرية السلاح وما إلى ذلك. ولا يكترثون كثيرا للسياسة الخارجية. في هذه الانتخابات النصفية يبدو انها متفقة مع المنحنى التاريخي فنتائجها تميل للحزب الجمهوري، حيث تشير دراسة لموقع فايف ثيرتي ايت التابع لمؤسسة ان بي سي الإعلامية لتوجهات الجمهور، المبني على سؤال استطلاع يسأل الناس (عينات) في جميع أنحاء البلاد عن الحزب الذي يخططون للتصويت له للكونغرس (دون تسمية مرشحين محددين) الى ان الجمهوريين يتقدمون على الديمقراطيين حاليا بمقدار 0.5 نقطة، بينما متوسط استطلاعات الراي ل 11 مؤسسة استطلاع يشير إلى أن المزاج الوطني قد تحول نحو الحزب الجمهوري بمقدار 1 نقطة. وتشير الدراسة بان هناك توقعات أن يفوز الجمهوريون في المتوسط بالتصويت الشعبي الوطني لمجلس النواب بفارق 4 نقاط. كما أظهر الجمهوريون المزيد من الحماس، حيث أظهر 78 في المائة اهتماما كبيرا مقارنة ب 69 في المائة من الديمقراطيين. ان نجاح الجمهوريين بالسيطرة على الكونجرس يعني أن يضر بقدرة إدارة بايدن المحدودة بالفعل على تمرير التشريعات، فضلا عن التشويش على السياسات الخارجية وسيتم تفسير أي نتيجة سلبية للديمقراطيين في الانتخابات على أنها علامة على الضعف السياسي المستمر لبايدن، وقد تتجدد الدعوات بتنحي بايدن جانبا من أجل مرشح ديمقراطي آخر يخوض سباق الرئاسة في عام 2024. مما سيعمق الخلافات داخل الحزب الديمقراطي بين التيار التقليدي بزعامة بايدن وبيلوسي وشومر وتيار التقدميين بزعامة السيناتور بيرني ساندرز واليزابيث ورن. بالمقابل سيجير نجاح الحزب الجمهوري لقيادة دونالد ترامب للحزب مما سيعزز من حظوظ المتطرفين ومنهم كثيرين مثل ابو شاكوش على حساب المحافظين المعتدلين او التقليديين مثل ليز شيني وعائلة بوش.
وعليه الولايات المتحدة الامريكية قادمة على مرحلة من التوتر السياسي وعدم الاستقرار وبداية لتشظي البنى السياسية المعتمدة على ديمومة السيطرة وتداول السلطة بين الحزبين.
أخبار ذات صلة
كل التعليقات ( 0 )