" طقوس حياة" قصة قصيرة
تاريخ النشر 09 May 2023

Alhawadeth Archive


لمحته بطرف عيني وأنا دالف إلى قاعة ترانزيت المطار، تماماً كما تركته قبل عشرين عاماً، كأسه أمامه منتحياً طاولة ركنية، ربما عشقه لهذا التموضع، زهّده في الترقية، ظل على حاله مراقب قاعة، وربما رئيس مراقبين بعد عشرين عاماً، أنا استقلت من وظيفتي التي لم تكن لترضي طموحي، وضربت في أرجاء العالم، وتركته على حاله هناك، لا أدري ما هي المتعة السّرية التي يحصل عليها من وراء تلك الطقوس، حتماً لا يتطلع إلى علاقة نسائية، وإلا لكان حظي بالكثير منها، في هذا الجو الزاخر بالإناث من كل شكل ولون، وليس حتى مدمن خمر، فهي كأس واحدة يوقفها أمامه ليغرق في تأملاته ويرتشفها على مهل ،كلما تذكّر أنها أمامه هناك، من باب الشعور بالواجب، أن عليه أن ينهيها، وليس من باب التلذّذ والمتعة، ورغم ذلك كان يحب اصطياد الزبائن العابرين ليندمج معهم في ثرثرة غير محدّدة، حول كل شيء، لا يشكو همّاً ولا يشبع فضولاً.
تصحّر وجهه قليلاً وجفّ رواؤه بحكم السن، ورغم ذلك بقيت ملامحه تقريباً كما هي، نحيلة مبهمة ولا يبدو عليها الهرم.
كلنا كنا نعرف أن له حياتين متوازيتين، فتوحّده أثناء العمل يقابله جو عائلي حميم وتفانٍ ربما مبالغٍ فيه في إرضاء زوجته وأولاده، واصطحابهم في نزهات وإدخال السرور إلى نفوسهم، ولكن بمجرد دخوله إلى بيئة العمل، يقطع علاقته فوراً بالعالم الخارجي وينقلب إلى رجلٍ آخر، وربما هذا بالذات ما ساعده على الصمود طيلة تلك المدة، دون سأم ودون طموح ودون كبير تغيير.. ألقيت عليه نظرةً اخيرة قبل أن أتوجه إلى بوابة الصعود، فلم يكن لدي الوقت لأبادله بعض الكلام او حتى مجرد التحية، وعلى الأرجح أنه لم يعرفني، رغم أن أعيننا التقت، فهو ليس من النوع الذي يسجل الآخرين في ذاكرته، أو يحرص على إبقاء علاقات معهم.
وقبل ان أسلم بطاقة الصعود، جذب أسماعي صوت آت من جهة طاولته، التفتُّ قليلاً وكان رجل ضخم يسأله وقد نطق صوته بالدهشة وكأنه فوجيء بوجوده حين رآه جالسا ً هناك على ما يبدو:
- سامي! ألم تتقاعد قبل سنوات!
والله لقد حسبتك شخصاً آخر!



كل التعليقات ( 0 )

أخبار ذات صلة

المزيد من الأخبار

جميع الحقوق محفوظة © 2023 الحوادث
طورت بواسطة : Zahid Raju