الردة وحكم الاعدام
تاريخ النشر 08 Jul 2020

Alhawadeth Archive

 

 

 اعادة نشر

تاريخ النشر:11/17/2014

 

عبد عواد

الردة وحكم الاعدام

رأي الاستاذ المحامي عبد عواد في موضوع الردة

في الاونة الاخيرة كثر الحديث عن احكام الردة عن الاسلام وخاصة بعد عمليات القتل التي تمارسها التنظيمات السياسية التي تتبنى الفكر السلفي مثل تنظيم الدولة الاسلامية، فهل ترك الدين الاسلامي او الارتداد عنه يعتبر جريمة عقوبتها الاعدام؟

للاجابة على هذا السؤال يجب ان نرجع الى مصادر التشريع الاسلامي.

النصوص التأسيسية للشريعة هما القران الكريم والسنة النبوية. فالقران الكريم بالنسبة للمسلمين هو كلام الله ونصوص القران من ناحية فقهية تعتبر قطعية الثبوت اي لا ريبة او سؤال عن صحتها. . فالقرآن الكريم هو النص المقدس لدى المسلمين المرسل اليهم بواسطة رسول الله 'محمد صلى الله عليه وسلم' والذي يحتوي على إرادة الله، وهو مصدر الحجة الشرعية وهو الكلمة الفصل. 

السنة النبوية هي ما صدر عن رسول الله (ص) من قول او فعل او تقرير. ومن ناحية فقهية، تعتبر السنة النبوية، نص تأسيس شرعي واجب الاتباع في أغلب الاحوال. لكن السنة النبوية لا تعتبر قطعية الثبوت كالقران الكريم. أقر علماء الحديث بانه لا يوجد اكثر من عشرة أحاديث متواترة (الحديث المتواتر هو الحديث قطعي الثبوت) وباقي ما يقارب 4000 حديث تعتبر احاديث احاد (وتصنف الاحاديث الاحاد بالعديد من التصنيفات كالحديث القدسي والصحيح والمشهور..الخ.) ومن ناحية فقهية هذه الاحاديث ظنية الثبوت. لقد تم  جمع مئات الألوف من الروايات المنسوبة الى رسول الله محمد (ص) بعد 200 عام على وفاته ( جمعها طالبو الحديث)، وقام علماء المسلمين بفرزها وقبول بضعة آلاف منها يرجحون أن تكون منسوبة اليه.

وعليه، فان السنة النبوية تشكل ثاني أهم مصدر للتشريع  ولكن تطبيقها على الحياة الحديثة ليست دائماً بالعمل السهل، وفي بعض الأحيان، ترى في بعض الاحاديث تناقضا.

ماذا يقول القرآن الكريم عن الردة؟

يحذر القرآن المرتدين، ما عدا أولئك الذين تابوا  ، أنهم سيلاقوا عقوبة شديدة ومؤلمة تنتظرهم في الآخرة. ويكون مقرهم جهنم إلى الأبد، كما ورد في سورة البقرة 217 قوله تعالى ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِيْنِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيْهَا خَالِدُوْنَ) وفى قوله تعالى فى سورة الكهف الاية 29 ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ... )  وفي سورة المؤمنين اية 117 (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ )

 

و لا مكان في القرآن الكريم  لتفويض اي سلطة دنيوية  لتنفيذ أي عقوبة على شخص قام بتغيير دينه من الإسلام. هذا الإغفال في القران الكريم هو مفتاح تشريع موضوعة  الردة، لأن الله تعالى في محكم تنزيله في سورة طه اية 52 (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى)  وبعبارة أخرى، لو أراد الله ان يشرع للمسلمين بقتل المرتدين، لقال  ذلك. لا بل ، رسالة القرآن الكريم واضحة: رد مساءلة المرتد إلى الله في الآخرة، وليس للقضاة على الأرض.

ماذا تقول السنة النبوية؟

وخلافا للقرآن الكريم، هناك قصص وأراء متضاربة حول الموقف النبوي من الردة. فبعضها نسب الى الرسول قوله (من بدل دينه فاقتلوه) الا ان هناك من الاحاديث والممارسات ما يناقض ذلك ففي صلح الحديبية خير مثال حيث نصت اتفاقية الرسول (ص) مع قريش على ان من يترك المسلمين ويرجع لقريش يتعهد المسلمون بالسماح له وعدم المساس به . هذا اضافة ان هناك امثلة على ارتداد البعض عن الاسلام في حياة الرسول ، ولم يامر او ينفذ اي عقوبة ضدهم.

ومنها ما ورد  في بعض المؤلفات التاريخية الإسلامية. فصحيح البخاري وهو من اكثر المجموعات شهرة في السنة النبوية، يحتوي على مثال واضح. فقد تعهد رجل بدوي بالولاء إلى الله والنبي، إلا انه رجع وابلغ الرسولبأنه يريد إلغاء تعهده.وبعد أن رفض النبي ثلاث مرات قبول إلغاء التعهد ، انتقل البدوي ببساطة إلى مدينة أخرى ولم يقم الرسول بتنفيذ اي عقوبة ضده.

لقد بشر النبي بالرسالة الالهية الداعية للوحدة والعدالة الاجتماعية، ورحب بالمؤمنين بغض النظر عن الانتماء القبلي او اللون او العرق او المركز الاجتماعي أو الجنس.

في الوقت نفسه، قاتل المسلمون، المتنامي نفوذهم، القبائل ذات الانتماءات الدينية الاخرى المنافسة التي حاولت قتل النبي (ص)، فكانت مسالة موت او حياة لامن الدولة الاسلامية الناشئة.  وعليه فان المسلم الذي قرر التخلي عن دينه في ذلك الوقت كان قراره ليس مجرد خيار شخصي ليتبع الها آخر، انما كان يتحول ليقف في صف العدو ويحارب ضد المسلمين.

 لذا، يمكنك أن ترى لماذا اراد الفقهاء والخلفاء ألاوائل اعتبار عمليات تغيير الدين فعلا من افعال الخيانة العظمى ضد المجتمع و باعتبارها جريمة سياسية ولا قيداً على حرية الاعتقاد الديني. وما يؤكد ذلك ان اغلبية الفقهاء الاوائل  قضوا  بعقوبة الإعدام للمرتدين الذكور في حين لا تتفق المدارس الفقهية الإسلامية على هذه العقوبة للمرأة، اذ يقول البعض  بقتل المرتدات، بينما يرى الاغلبية أنهن ينبغي أن يسجنّ حتى عودتهن إلى الإسلام. ولهذا ليس مفاجئا بان الفقهاء ارادوا ان يحدوا من حالات الردة لان الارتداد في تلك الفترة شكل خطرا على امن الامة وخيانة ضد المسلمين، لكن كثيرا من الفقهاء المعاصرين، مثل 'العلواني - شيخ ازهري'، يقولون ان الاعدام ليست عقوبة الارتداد الا في حالة المرتد الذي يحمل السلاح ضد المسلمين ويقاتلهم.

ولكن في نهاية المطاف، تظل الحقيقة أن القرآن الكريم بلا شك يحمي الحرية الدينية. فالله هو الرحمن الرحيم الحكيم والذي قال: 'لا إكراه في الدين'. صدق الله العظيم وهذا الكلام قطعي الثبوت والدلالة ولا ريبة فيه.لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ



كل التعليقات ( 0 )

أخبار ذات صلة

المزيد من الأخبار

جميع الحقوق محفوظة © 2023 الحوادث
طورت بواسطة : Zahid Raju