Alhawadeth Archive
الحظيرة
شعر يوسف عبد العزيز
لمّا رجعتُ لمنزلي متأَخِّراً في الليل
عادَ ليَ ارتباكي
..... مثلَ كيس الرَّمل
كان المنزلُ الحجريُّ منبطحاً،
وكنت أَرى نوافذَهُ المضيئةَ
كالثُّقوبِ،
وكانت الأَزهارُ فوقَ السورِ
ترفع في الظلام رؤوسها
كأصابعِ الأعمى،
اقتربت فمالت الجدرانُ نحوي
وارتجفتُ
كأنني أهذي
كأَنّي خارجَ الحجرِ
المرتَّبِ في نشيدِ الصمتِ
أطلقُ من يدي طير الحواسِ
وأَستفزُّ النارَ تحت رمادِها.
حركتُ رأسي في فضاءِ اللغزِ
مثل الأَرنبِ المذعورِ،
هذا البيتُ بيتي
فيه أعجنُ من رماد الروحِ
قلبَ الشِّعرِ
أَرفعُ برجَ أحلامي
وأَصعدُهُ لكي أَطأ السَّحابَ الرَّخوَ،
هذا البيتُ بيتي
غير أن السَّقفَ يوشكُ أَن يطيرَ
ويوشكُ الشُّبّاكُ أَن يهوي
عليَّ مصفِّقاً كالنَّسرِ،
هذا البيت بيتي!
السورُ نفس السور!
لا، قد صار أَعلى
والحجارةُ فيه
تبدو مثل أَسنانٍ
مهرَّأَةٍ،
دفعتُ البابَ مرتبكاً
فأَنَّتْ في ظلام الليل جثَّتُهُ،
وهبَّت باتِّجاهي الرّيحُ مثقلةً
برائحةِ العفونةِ،
خطوةً ووقفتُ
يا الله ... أَيَّةُ لحظةٍ
تلقي عليَّ غموضها:
ثورانِ مثل غمامتين
ترنَّحا في الباب،
روثٌ يغمر الأرجاءَ
كان البيتُ نصفَ مهدَّمٍ
ومضيتُ في حجراتهِ:
غنمٌ وأَبقارٌ على السِّجادِ
تلهو أَو تنامُ،
على الأَرائكِ تجلسُ القططُ الكسولةُ،
كانت الحمّى بأَلفِ يدٍ
تدكُّ ضلوعيَ الخرساءَ
والأَصواتُ تصعدُ في العروق
وتضربُ الصدغين،
حين مضيتُ إِلى سريري
كان قُرّادٌ يحطُّ عليَّ
يلسعني
فأَصرخُ صامتاً،
شعرٌ غزيرٌ صار ينبتُ فوق أَعضائي
وحين نظرتُ في المرآةِ
لم أرَ ما يدلُّ عليَّ،
كنتُ شبيهَ كبشٍ هائلٍ
فذهبتُ صوبَ النافذة.
وبدأتُ أَثغو.
أخبار ذات صلة
كل التعليقات ( 0 )