هالمطلوب تصحيح بوصلة "عاصفة الحزم"
عدنان خليل
قديما في التاريخ العشائري لبلداننا العربية، عندما كان الشيخ السيد يرغب بممارسة ساديته، كان يعاقب العبد بان يرسم دائرة بعصاه على التراب ويامر العبد ان يقف في وسطها، ويمضي هو لامره بينما العبد سجين الدائرة، ولا ينعتق من اسوار السطوة العملاقة، التي لا يستطيع منها فكاكا وتجازوها ولو لقضاء الحاجة، الا بعد ان ياتي السيد ويمسح الخط الدائرة المرسوم على التراب بقدمه، او يمسح العبد الخط عندما يسيل دمه فوق التراب اذا اراد ان يتحرر.
تذكرنا خطوط التراب الراسمة لحدود سجن العبد، بالخطوط الراسمة لخرائط معاهدة البريطاني والفرنسي، المغفور عربيا لهما، سايكس وبيكو عام 1917 ، اللذان رسما على الورق اسوار السطوة السادية، بما يتلائم مع مجالات عمل شركات الدول التي يمثلوها، وحشروا في داخل كل شكل مغلق مجموعة من السكان العرب، اسمو المساحة المحاطة بالخط محمية او امارة او مملكة. ومنذ ذلك التاريخ نحن العرب لا نبرح مواقعنا على هذه المساحات ولاحتى لنداء الطبيعة، ونعض بالنواذج على ورقة الخطوط الخرائط والانقسامات المناطقية، التي توهمنا بانها اصبحت قومية ذات كيان خاص لمجموعة محددة من العرب كالسورين او السعودين..الخ. الى ان جاء شخص يدعى برنارد لويس، انجليزي امريكي يهودي الديانة، عمل استاذ في جامعة برنستون الامريكية وتخصص في منطقتنا. وكما يبدو اسندت له مهمة ذهنية لمسح اشكال سايكس وبيكو، ووضع دراسة لاعادة ترسيم خطوط الدول من باكستان الى موريتانيا، فاصابت الخطوط الحديثة التي رسمها جزءا من خارطة تركيا لصالح دولة كردية، وخطوط اخرى اصابت جزءا من ايران لصالح دولة عربية شيعية، وفي العراق جزءا لصالح نفس الدولة الشيعية واخر لدولة اخرى عربية سنية في الموصل وحلب، في حين حجمت دولة ال السعود في الرياض وصحراء الربع الخالي لتلحق الجزء الخليجي من الجزيرة العربية لصالح دولة العرب الشيعية، وجزءا اخر لصالح الدولة الاردنية الهاشمية المكونة من القبائل السنية في بلاد الشام وشمال الجزيرة والمهاجرين الفلسطينيين، اما الجزء الاخر في جنوب الجزيرة فيلحق بالقبائل اليمنية اليزيدية .. وهكذا، لقد رسمت خطوطه اشكال لخرائط دول في ضوء المكون السكاني المبني على البعد الطائفي العشائري (القبلي).
ونعتقد بان النظام الغربي بقيادة امريكا وحلفائها، قد وضعوا هذه الخرائط في خططهم الاستراتيجية طويلة المدى، في ضوء نجاح الهبة الدينية الوهابية والاخوانية في مقارعة وهزيمة النظام الاشتراكي في افغانستان واليمن، وفي ضوء نجاح المشروع الاستعماري القديم في اقامة دولة دينية يهودية في فلسطين، تسمى اسرائيل، حيث هزمت ايضا نظام جمال عبد الناصر القومي الاشتراكي في مصر ومثيله في سوريا. فقام نظام الابن بوش بالتبني والاعلان عن خطة استراتيجية تحت عنوان "الفوضى الخلاقة" لتعمل عساكرهم والمخابرات الاسرائيلية ووكلاؤهم في المنطقة على مسح خطوط الخرائط القديمة، لمنع تشكّل قوى اقليمية ذات وزن نوعي قادر على مواجهة المشروع الصهيوني او العمل باستقلالية بعيدا عن اوامر المراكز الغربية، وذلك ان كان في المنطقة العربية او الفارسية او التركية اوحتى في باكستان، فهاهي اسرائيل تمسح باقدام جندها اي خطوط لهذه الخرائط حسب امكانياتها على الضم والاستيعاب ، وها هي ارهاصات تشكل دولة عربية شيعية في جنوب العراق، وكذا دولة عربية سنية، بدات بقيام الدولة الاسلامية "داعش" التي مسحت بحد الخنجر خط حدود العراق وسوريا، في نفس الموقع الذي خصصته لها خطوط برنارد لويس ، واذا كان تنظيم الدولة الاسلامية ارهابي ونظامه وغير قابل للحياة فان المكون المطلوب هو قبائل السنة من الصحوات (العشائر العربية السنية في العراق) ومن المجموعات التي سيتم تدريبها وتمويلها من عشائر بلاد الشام السنية لكي تحل محل تنظيم الدولة لاحقا ويطبخ هذا على نار هادئة، فالتدريب والتمويل يحتاج لعدة سنوات.
واذا كانت الفوضى تفعل فعلها في الهلال الخصيب وليبيا، وما يجري ايضا تحضيره لمصر، كما فعلت في السودان من قبل، فان الدور كما يبدو قد بدأ في الجزيرة العربية.
ونحن نعتقد ان عاصفة الحزم هي اولى ارهاصاتها، وان الارضية خصبة ومواتية لمسح خطوط الخرائط في السعودية ودول الخليج، فعشرات ملاين اليمنين تحت خط الفقر بجانب طبقات حاكمة "الفلوس معها زي الرز ، على رأي التسريبات" وبيئة حاضنة لتطرف اسلامي تكفيري في السعودية، شاهدنا نتائجة في الاف السعودين المجاهدين في سوريا والعراق وسابقا افغانستان، اضافة لوجود 15% تقريبا من الشيعة كنقيض في نفس السعودية، في حين نسب الشيعة في باقي دول الخليج اعلى من ذلك بكثير. ان الحسم والحزم في اليمن، والدعم والامداد في سوريا للتكفرين يعمل على اسالة انهر الدم في هذه البلدان، وهي (الدماء) كما قلنا سالفا قادرة على مسح الحدود ، فهذه الحرب الان لن تصب الا في زيادة الحقد بين العرب الفقراء والعرب الاغنياء بصرف النظر عن طائفتهم او قبيلتهم، وستزيد من الاستقطاب الطائفي الذي يفعل فعله في عقول الناس مسحا لادمغتها، فانت تراه ينعكس الان في تعليقات القراء في مواقع التواصل الاجتماعي، واعطي هنا نموذجا لاحدها حيث يكتب احدهم "تتدخل ايران في سوريا والعراق واليمن، ان لهدا الجنون ان يتوقف وان للعرب ان ينقلو المعركة الى داخل ايران والا يكتفوا بردات الفعل في اراضيهم لايقاف هدا الجنون الصفوي المقيت" هكذا يتم شحن التعصب والتطرف وعدم قبول الاخر ، ونحن نعرف ان الكل مهدد في هذه المنطقة ان كانت ايران او تركيا او النظام العربي العربي، وخاصة في منطقة مقوماتها الاساسية هي النفط، وان دولة مثل ايران اذا لمست تهديد فعلي لمصالحها وكيانها، فان مليارات البترودولار المكومة في الابراج تصبح خرائب حتى الغربان تعوفها.
اذا كان ملك السعودية حزم امره بعاصفة اتجهت لليمن للجم صالح والحوثيين، فنرجوا ان تتوقف عند ذلك ولم الفرقاء للتصالح، والاهم العمل على وقف التشظي العربي من خلال التوجه نحو التكامل العربي والتنمية الاقتصادية لازالة الفوارق، فلو صرفت المليارات على ذلك بدلا من الاسلحة التي تدمر عشش الفقراء في اليمن، ولو انها فعلا توجهت لهذه الغاية ،اي البناء والتنمية في اليمن الذي طلب ان ينضم للمجلس الخليجي ورفض، ونكرر لو فعلا توجهت الاموال لليمن، فان انصار الله سيكونوا ممتنين وسيكونوا ايضا انصار العلم والتقدم والتاخي العربي، ان وضع الخطط الاستراتيجية للتحول الديمقراطي السلمي، ليتمكن السني والشيعي وابناء العشائر من التعبير وممارسة حقوقهم المدنية السياسية والانسانية دون تهميش ، لن يمكّن عربي سني من الذهاب ليحتمي بالتركي او عربي شيعي الى ايران ليحتمي بالفارسي، او عميل ليحتمي بالاسرائيلي. نرجوا ان يتم استغلال القدرات السعودية بالقيادة لاقامة القوة العربية المشتركة التي دعى اليها رئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتاح السيسي على ان تكون مهامها مواجهة تحديات الامة العربية الممثلة اولا بالتهديد الصهيوني، فهناك مكمن الخطر، وهناك يجب ان تتوجة عواصف الحزم حتى لا ترتد وبالا على المنطقة وعلى من حزم.