بعد النظر في كل ما يدور في الشرق الأوسط، وعلى الأخص في فلسطين، لابد من التساؤل: ترى لاي ستكون الغلبة في النهاية: الروح الصافية العالية أم القوة المادية الخادعة العاتية؟
لقد تمكنت إسرائيل على مر السنين، مستخدمة مختلف سبل الخداع و أساليب التلاعب من أن تصبح قوة عالمية عسكريا وسياسيا وماديا. ومن ثم تمكنت من احتلال غالبية الأراضي الفلسطينية، ولا تزال تقيم المستوطنات وتحتل الأراضي بدون أي حق. وبلغت سرقاتها للاراضي أوجها زمن رئاسة الرئيس ترامب فحققت كل ما تاقت إليه وما يحقق مطامعها المتواصلة.
أمام هذه الحالة، وهذا التوسع المتواصل، هل استسلم الفلسطينيون اصحاب الحق والأرض وهل قبلوا الأمر الواقع والطغيان المستمر؟ و الجواب بيّن واضح. فالفلسطيني، صغيرا كان أم كبيرا، شيخا أم صبيا، غير قابل لما يدور، ولم يستسلم لما يفرض عليه. بل إن علامات الاصرار على التمسك بحقه تزداد ظهورا يوما بعد يوم. هذه العلامات واضحة بينة في شتى تصرفات الأفراد وأعمالهم أينما كانوا. ففلسطين دائما على ألسنتهم وفي كل حفلاتهم ولقاءاتهم.
عرض مؤخرا على الكمبيوتر فيديو بطله طفل لا أعتقد انه تجاوز العاشرة من العمر. كان يغني، بل بالأحرى ينشد، الأغنية الشعبية الرائعة التي تفوح منها رائحة الفاكهة الفلسطينية المميزة. وهي تمثل أفضل تعبير باللهجة الفلسطينية عن المشاعر الوقادة والإصرار على العودة. تلك الأغنية هي "يا توتة الدار". وقد ذكرتنى بشجرة التوت أمام بيت طفولتي.
وشهدت على الكمبيوتر أيضا مشهدا آخر فيه رجل فلسطيني في المهجر، في ولاية نورث كارولاينا أمام باص اسماه"باص العودة" وعليه مكتوبة أسماء المدن الفلسطينية. ذلك الرجل واقف إلى جانب الباص ويعمل الكنافة أمام جميع المارة. والكنافة هي أولى الحلويات الفلسطينية المعبرة.
وعرض كذلك فيديو آخر موضوعه شجرة الزيتون. وهل ثمة أفضل من شجرة الزيتون شعارا لفلسطين وتعبيرا عن الصمود والبقاء. إن شجرة الزيتون تعيش منذ قرون على جبال فلسطين وتلالها. ويشرح الفيديو فوائد الزيتون ويتحدث عن كيفية استخدام اوراق الزيتون في صنع الأدوية. وكل ذلك باسم فلسطين.
وعلاوة على ما تقدم، فإن الشاب الفلسطيني والفتاة الفلسطينية، اينما كانا، لابد وأن يعبرا بطريقة او بأخرى عن تمسكهما بفلسطينيتهما وعن اصرارهما على الاحتفاظ بها والولاء التام لها. إنني أرى في كل وقع قدم على الأرض في رقصة الدبكة الفلسطينية تعبيرا أقوى من طلقة مدفع المعتدي المحتل.
فالفلسطيني، رغم مرور زمن طويل، ورغم ما جرى من تجريده من حقوقه وأملاكه، ورغم ما حقق المحتل لنفسه من قوة ونفوذ عالميين، ثابت على مبادئه، مصر على استعادة حقه في ارضه ووطنه. وقد يرى البعض في ذلك انه حلم لا مجال لتحقيقه. والجواب على ذلك هو ما يلي:
إن الاحتلال الجاري الآن احتلال قائم على أسس واهية غير طبيعية، بل كلها اصطناعية أساسها الكذب وأعمدتها التلاعب واستغلال النفوذ في الدول الكبرى. فهل يدوم الكذب ويستمر التلاعب؟ في حين أن الفلسطيني مصر على الثبات على الإيمان بحقه والنظر البعيد للعودة إلى الوطن.
إن الفلسطيني مؤمن بأن فلسطين مصيرها العودة إلى أصحابها، وان الحق في النهاية هو لصاحب الحق. صحيح أن دولة الاحتلال الآن قوية، وسيطرتها واسعة، ونفوذها في العالم لا يضاهى. إلا أن الروح العالية أقوى من كل قوة مادية. فهي روح تشع النور المرشد والمؤدي في النهاية إلى تحقيق ما هو جدير بالتحقيق وإن طال الزمن.
غير أن النفس فيها مسكن لشعاع في حناياها اختبأ
لا شك أن التاريخ سيشهد ثبات الفلسطيني واستعادته لحقه وتحقيق حلمه. إن روح الفلسطيني، كل فلسطيني، عالية، وإن مقصده قائم على الصدق والثبات لاستعادة ما هو حق له. نعم قد يطول الزمن، ولكن النهاية واضحة لمن يرى.