اتخذت إدارة الرئيس ترامب حتى الان مسيرتها على طريق إختلط فيها المؤلم بالمضحك. وهي مسيرة فريدة في نوعها ولم يشهد لها مثيل في أية إدارة سابقة. فالرئاسة هي دون شك أهم مركز في الدولة، والدولة في الولايات المتحدة هي في رأي غالبية الناس أهم دولة لأهم بلد في العالم. و حتى إدارة الرئيس بوش الإبن، الذي دمر العراق، وأخاله فعل ذلك دون أن يعرف السبب، لا تكاد تبلغ ما بلغته ادارة الرئيس ترامب من ابتعاد عن كياسة الرئاسة ووقارها وحسن تصرفها.
فمنذ بدء إدارة الرئيس ترامب والأحداث تترى والمشاكل تتزايد في كثير من الميادين. ولا شك في أن للرئيس دورا كبيرا في وقوع تلك الأحداث. فهو يتصرف وكأنه لا يزال رجل الأعمال وصاحب الاملاك والبنايات. وقد شهد المسرح السياسي أحداثا هامة قلّ أن كان لها مثيل. وكان لتصرفات الرئيس ترامب وتصريحاته وتغريداته وأفعاله دورا مباشر أو غير مباشر في التسبب بوقوع تلك الأحداث. ومن تلك الأحداث ماهو سيئ ومنها ما هو مبشر بالخير. ومع ذلك ففي بعض الامور فرض الشعب رأيه فيما هو مناسب وسليم.
ومن أبرز ما حصل مؤخرا فوز الحزب الديمقراطي بالغالبية في انتخابات مجلس النواب الاخيرة. وقبل هذا الفوز كانت للحزب الجمهوري، وهو حزب الرئيس ترامب، الغالبية في مجلسي الشيوخ والنواب. ولا شك في أن هذا الفوز يدل على وقوع بعض التضعضع في شعبية الرئيس ترامب. أي انه بمثابة تعبير شعبي عن رد الفعل لتصرفاته. وهذا الفوز يبشر بالعودة إلى الاتزان والتعقل في إدارة سياسة بلد هو في طليعة البلدان الديمقراطية المتقدمة.
إلا أن من الاحداث اللافتة للنظر في ميدان السياسة أيضا قيام الرئيس ترامب بإقالة وزير العدل جف سيشنزوتعيين ماثيو ويتاكر احد مؤيديه المخلصين وزيرا للعدل بالوكالة. ولهذا الإجراء أبعاد كثيرة، عدا عن كونه مخالفا للدستور. ذلك أن تعيين الوزير لابد من موافقة الكونجرس عليه.
وهنا لابد من التساؤل: لماذا عزل وزير العدل جيف سيشنز وعين مكانه ماثيو ويتاكر؟
لا شك في أن هذا العزل وهذا التعيين يتعلقان بموقف الرئيس ترامب تجاه ما يقوم به المستشار الخاص روبرت مولر من تحقيق قد تكون له أبعاد خطيرة. وروبرت مولر يجري منذ اشهر تحقيقا واسعا وهاما، يدور معظمه حول انتخابات الرئاسة في عام 2016 التي فاز بها ترامب على هيلاري كلينتون. وقد ظهر بعد الانتخابات أن روسيا قد تكون قد لعبت دورا في الخفاء في إنجاح ترامب على كلينتون. وهنا تكمن فحوى التحقيق الذي يقوم باجرائه روبرت مولر. ولكن ترى ما دخل عزل الوزير سيشنزوتعيين ماثيو ويتاكر في مكانه؟
الجواب على ذلك ان ماثيو ويتاكر قد أعرب مرارا عن معارضته الشديدة لما يجريه مولر من تحقيق في حين نأى سيشنز بنفسه عن التدخل في الأمر. ولا شك أن الرئيس ترامب يود عزل مولر ووقف التحقيق. وبما ان مولر تابع لوزير العدل، فإن الوزير الجديد بالوكالة بمقدوره أن يقوم بالمهمة التي لا شك ان ترامب يود حصولها. وإذا حدث أن جرى عزل مولر وإيقاف التحقيق، فإن ذلك يشكل عائقا يحول دون تحقيق العدالة.
من المؤسف ان فترة رئاسة ترامب، رغم قصرها، حتى الان، قد شهدت كثيرا من التصرفات الهوجاء وغير اللائقة. وليس ذلك اليوم ببعيد الذي أعلن فيه الرئيس ترامب أعطاء ما لا يملك إلى من لا يستحق أن يملك، أي جعل القدس عاصمة لاسرائيل.