على مدار عام 2020، كأنّ حال سكان المعمورة كما هو حال الشاعر الجاهلي امرؤ القيس وهو يردد:
"وليلٍ كمَوجِ البحر أرخى سدولَه
عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لمّا تمطّى بصُلبه
وأردف أعجازًا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويلُ ألا انجلي
بصبح وما الإصباحُ منك بأمثلِ
فيا لك من ليل كأن نجومَه
بكل مُغار الفَتلِ شُدّتْ بيَذْبُلِ
الوباء كورونا فايروس كوفيد 19 وعلى مدار الاثنى عشر شهرا كان كما الوحش في انقضاضه على فريسته، وأشاع الحزن وارخى العتمة على أهل البسيطة، لقد انتشر المرض الى الاتجاهات الاربعة للكرة الأرضية.
في شهر ديسمبر 2019، شهدت الصين التهاب رئوي فيروسي مجهول المصدر، حير الاطباء في مدينة ووهان. وفي 7 يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلن مسؤولون صينيون أنهم تعرفوا على فيروس جديد، وبدأ العالم تدريجيا يدرك ان هناك فايروس قد انفلت، وان خزان الوباء قد ثقب، وقبل حلول نهاية الشهر، كان اكثر من 50 مليون شخص يعيشون فى مقاطعة هوبى فى ووهان فى الحجر الصحى، وبدأت الحدود فى جميع انحاء العالم فى الاغلاق على اثر اصابات ووفيات في فرنسا وايطاليا واسبانيا والولايات المتحدة.
في 11 مارس/ اذار اعلنت منظمة الصحة العالمية ان انتشار فايروس كوفيد 19 قد أصبح "وباء"، وأعلنت الادارة الامريكية في 13 من مارس حالة الطوارئ، وفي 19 مارس، اعلنت كاليفورنيا الاغلاق تحت مسمى "البقاء في المنازل" كأول ولاية أمريكية تأخذ اجراءات وقائية حازمة، للتتبعها ولاية نيويورك.
في بداية شهر اذار/ مارس في مدينة الكون والحياة نيويورك، بدأ الناس يتلمسون رؤوسهم، المدينة تحس ثقل القادم من الايام، الجموع الغفيرة من كل ملة ولون، الذين يسعون في كل الأمكنة، بدأوا يوما اثر يوم ينسحبون من الشوارع. صوت سيارات الاسعاف يزداد تدريجيا في شوارع عاصمة العالم الاقتصادية، اعداد الوفيات فيها تنمو بشكل متسارع، وما أن دلف شهر نيسان حتى تربع الرعب في ساحاتها، ولأول مرة في تاريخها يصبح التايمز سكوير مجرد ميدان وساحة جرداء خالية من البشر ومن فناني الشوارع.. حديقة السنترال بارك تحولت لمستشفى ميداني، ثم تم حفر مقابر جماعية في هارت ايلند. على مدار أشهر كاد كوفيد 19 أن يطفأ شعلة الحياة فيها، لقد عرى الوباء أبراجها المنتصبة في عنان السماء وجعلها معدنا صامتا يتردد في جنباته زعيق سيارات الاسعاف التي تحمل من أصيب، ممن تبقى فيها، من عاملين وفقراء، فمليارديراتها واغنياؤها والقادرون رحلوا عنها الى البلدات المحيطة في منطقة الميتروبوليتين.
كافح العاملون في المستشفيات من أجل التكيف، وكافح المسعفون الذين يتقاضون أجوراً زهيدة دون معدات حماية شخصية، الى حد ارتداء بعضهم أكياس القمامة لحماية انفسم، فالمستشفيات كانت تعاني من نقص ادوات الحماية الشخصية للعاملين فيها كالكمامات والكفوف، إضافة لنقص اجهزة التنفس المترافق مع عدم وجود خبرة بالتعامل مع المرض. لقد انكشف ضعف الدول وعدم استعدادها للكوارث، وعلى الأخص العظيمة. وظهر النقص المزمن في الاستثمار في الرعاية الصحية وخاصة لدى فئات العاملين وصغار الكسبة. بعض أغنى البلدان في العالم، ناهيك عن أفقر البلدان تعثرت في مواجهة مادة تذوب بالماء والصابون. وفي اقتصاد معولم، توقفت سلاسل التوريد. وتم تجريد رفوف المخازن من محتوياتها.
الرعب تعولم، بحلول منتصف نيسان/أبريل، كان بلايين البشر يعيشون في ظل احد أشكال الإغلاق. من وهان الى لوس انجلوس ومن روما وباريس إلى نيويورك، ومن هونج كونج إلى لاغوس، الموت يلوح في الأفق.
أغلقت الشركات أبوابها، المدارس والكليات مغلقة، تم إلغاء الرياضة الحية، شركات الطيران اوقفت رحلاتها وخاصة بين الدول، وأغلقت المحلات التجارية والنوادي والبارات والمطاعم أبوابها. ارقام البطالة تصبح ارقاما فلكية في كافة البلدان، في أغنى المدن والبلدان اصطف الجوعى طوابيرا للحصول على الطعام.
ينسحب عام 2020 وعداد الحالات المسجلة للوفيات بالفيروس يشير الى 1.8 مليون شخص، معظمهم فارق الحياة دون ان يتمكن من رؤية أحبابه. في الولايات المتحدة الامريكية، في البلد الأغنى والأقدر في العالم والذي يعد لحروب الفضاء، بلغ عدد الوفيات فيها حتى وقت سقوط كرة 2020 في التايمز سكوير، ما يقرب من 340 الف شخص. فأي توحش هذا؟.
في بداية الكارثة بدأ الباحثون عن فجر جديد من العلماء في مخابرهم سباقا لانتاج مطعوم المناعة، وفي الأيام الأخيرة من هذا العام الكارثي نجحوا وبدأوا بوخز رفيق لسواعد الطواقم الطبية والمسعفين، ثم الفئات الأكثر ضعفاً قبل الانتقال إلى الحملات الجماهيرية لتمنيع أجسادهم ضد هذا الفايروس اللعين، وبدأ الليل بالانسحاب والصبح بالتنفس مبشرا بعام 2021 لنرى فيه عودة للحياة الطبيعية.
لكن ما بعد فايروس كورونا ليس كما قبله، فالنظم العالمية على المحك. لقد أدت وستؤدي الجائحة الى تغيرات كبيرة وعميقة، أملتها اليات مواجهة الجائحة على صعيد طبيعة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإنتاجية. ومنها أثر ازدياد الفقر والتسرب المدرسي للطلبة والاعتماد على تكنولوجيا المعلومات والانترنت والذكاء الاصطناعي. وقطعا ستنعكس نتائج الجائحة بتغيرات سياسية واجتماعية، شاهدنا بداياتها في انتخابات رئاسة الولايات المتحدة الامريكية، ففي رحلة إدبار العام 2020، وعلى الرغم من قيام إدارة الولايات المتحدة بضخ 3 ترليون دولار في شراين الاقتصاد الأمريكي، عاقب الشعب الأمريكي دونالد ترامب، واتخذ قراره بفصله وإنهاء خدماته، علّ الإدارة القادمة تستخدم المنظفات في تعقيم البيت الابيض بدلا من التفكير في استخدامها لمعالجة مرضى كوفيد – 19، وعلها تقوم بالانفاق على التأمين الصحي، وحماية سكان الأحياء الفقيرة والسود من المرض والفقر والجريمة في نيويورك وفي باقي المدن الأمريكية بدل صرفها على المجمع الصناعي العسكري.